إبراهيم عبدالله العمار
في أوائل عام 1997م، كان هناك امرأة تعمل في صالون تجميل. التفتت للخارج ورأت رجلاً يمشي، واقشعر جلدها. إنه أندرو كونانان، أحد أهم المجرمين المطلوبين. أعلنت الشرطة الفدرالية أنه مطلوب لعدة جرائم قتل ووزعت صوره وأعلنتها في كل مكان، لكن أندرو كان بارعاً في التنكر وتغيير مظهره، لذلك استطاع أن يظل طليقاً لأشهر بعد أول جريمة قتل واستمر يقتل كل عدة أسابيع حتى قتل 4 أشخاص على الأقل. رأته خبيرة التجميل من بعيد فهرعت للخارج ورأت بعض رجال الشرطة فأخبرتهم عنه، لكنهم انشغلوا بالتغزل بها وبلهجتها الفرنسية، وما هو إلا قليل حتى اختفى أندرو ولم يُعثر له على أثر. بعدها بأشهر قليلة انتحر أندرو بعد أسبوع من قتله لآخر ضحاياه، المصمم الشهير جياني فيرساتشي.
حتى الآن لا يعرف أحد لماذا قتل القاتل كل هؤلاء الناس، لكن الذي نعرفه أنه لولا أن بعض رجال الشرطة انشغل بالتغزل في تلك المرأة لألقوا القبض على القاتل قبل أن يفعل فعلته الأخيرة.
هذه اللفتة مما أتت به الأمريكية وندي شاليت في كتابها «عودة للحياء» والذي حثت فيه فتيات مجتمعها الأمريكي على العودة لقيم الحياء والعفة والخجل، وناقشت تدهور العلاقات بين الجنسين في أمريكا حيث يكثر التباغض والخيانة والطلاق والعنف والدعاوى القضائية، وقالت إن غياب حياء المرأة وكون المرأة نفسها هي التي حاربت هذا قد سبب كل تلك المشاكل، ذلك أن مجتمعاً فقد احترامه لحياء المرأة ليس فقط مجتمعاً يهجر تعليم رجاله أن يحموا المرأة، بل أيضاً هو مجتمع يعامل المرأة باحتقار، كأنها نكتة. تتحسر وندي على الوضع اليوم مقارنة بالماضي، ومن ذلك قولها: «أنا لا أستطيع أن أجعل الرجل الجالس أمامي يعاملني بأدب ولا أن يتودد إلي كما كان يتودد الرجال للنساء بلُطف في الماضي». لماذا كان الرجل يتحبب لتلك المرأة هكذا؟ لأن حياءها يتطلب ذلك.
الرجال هم فقط الذين يحددون معنى الرجولة، وعكس الماضي حيث الرجولة كان فيها شمائل طيبة فالرجولة في أمريكا الآن ترتبط بالفجاجة والطفولية، ومن أسباب هذا أن المرأة الأمريكية أصرت أن معاملة الرجال الشهمة للنساء فيها تمييز جنسي، أي أن نظرة المرأة صارت: «لماذا تقوم من مقعدك لي؟ فقط لأني امرأة؟ هل يعني هذا أني ضعيفة أحتاج لطفك؟»، ومثال ذلك ما أتى في نشرة اجتماعية قالت إن من أمارات الإيذاء الأسري هو أن يُظهر الرجل تصرفات فيها «حماية زائدة»، وأن هذا دليل أن المرأة أوذيت! هذا يعني أن الرجل لو أظهر تصرفات غيورة حماية لامرأته فإن هذا من علامات أن الرجل خطر على تلك المرأة! بناءً على هذا فكلما قلّت حماية الرجل للمرأة وزادت فجاجته وسوقيته كلما صار أفضل وأكثر تحرراً. وتختم وندي تلك الفقرة قائلة إن حياء المرأة يغذي مروءة الرجل، وكيف أن أخلاق الرجل الأمريكي اندثرت، خاصة مع رفض النساء أن يقوم لها الرجل أو يعطيها مقعده أو أن يمسك لها الباب إلخ.