أ.د.عثمان بن صالح العامر
لما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بنقض يهود بني قريظة العهد والميثاق -الذي سبق وأن أبرمه معهم- وكان حينها في خندقه وجهاً لوجه مع الأحزاب الذين جاءوا من كل حدب وصوب لغزو المدينة، والقضاء عليه -عليه الصلاة والسلام- ومن معه من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، أقول لما علم محمد بن عبد الله بهذه الخيانة الكبرى، بعث لبني قريظة سراً سعدَ بن عبادة، وسعد بن معاذ رضي الله عنهما من أجل أن يعرف حقيقة الأمر بكل تفاصيله، «فنال القومُ من رسول الله قائلين للسعدين بصيغة الاستهجان: من رسول الله؟ لا عهد بيننا وبين محمد. فشاتمهم سعد بن معاذ وشاتموه -وكان رجلا فيه حدة- فقال له سعد بن عبادة : دع عنك مشاتمتهم فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة، ثم أقبل السعدان ومن معهما إلى رسول الله فسلموا عليه، ثم أسروا له بالشفرة التي بينهما وبينه قائلين: «عضل والقارة» أي: كغدرهم بأصحاب الرجيع: خبيب وأصحابه، فقال رسول الله: «الله أكبر، أبشروا يا معشر المسلمين»».
تذكرت هذا المشهد بالتفاصيل الواردة أعلاه وأنا أقرأ بعض ما يغرد به التويتريون منا في حساباتهم الشخصية أو يكتبه المشاهير في الفيس بوك والصحف الإلكترونية والورقية، فحالهم عندي كحال سعد بن معاذ رضي الله عنه ، هم أقرب للخطاب العاطفي منه إلى المنطق العقلي، مع أن المرحلة لا تتحمل ذلك، والقوم لا يعيرون المشاعر والعواطف العربية أدنى قيمة، وكأننا نريد أن نقنع بعضنا بعضاً بأن الولايات المتحدة الأمريكية سيئة وتريد بنا من خلال إقرارها لقانون جاستا سوءًا ليس له مثيل من قبل، مع أن هذا محل اتفاق لدى الجميع.
إنني أقول لهؤلاء كما قال سعد بن عبادة رضي الله عنه: «دع عنك مشاتمتهم فما بيننا وبينهم أربى من المشاتمة «، وليكن لنا خطاب عقلاني رشيد مدروس يجتمع عليه الساسة والعلماء والمفكرون المثقفون والاقتصاديون والقانونيون والكتاب المؤثرون، ويصدر عن هيئة حقوقية مستقلة ، يكون من وكدها:
* بيان الموقف الإسلامي/ السعودي الرسمي والشعبي من الإرهاب عموماً وأحداث الحادي عشر من سبتمبر على وجه الخصوص، وذلك بجمع كل ما كتب وقيل سواء من الجانب السعودي أو الأمريكي له صلة بالسعوديين منذ ذلك التاريخ وحتى اليوم، يصاغ كل هذا بصيغة قانونية تتوافق والعقلية الغربية، وتخاطب فيه الأسرة الدولية عبر وسائل الإعلام المختلفة، فضلاً عن تعزيز هذا الخطاب العالمي بما تعرضت له المملكة من هجمات إرهابية تريد النيل من سيادتها والإضرار بأمنها الداخلي.
* البحث الجاد عن ثغرات في القرار المتخذ، وإعداد جمع من القانونيين السعوديين العارفين بنظام المرافعات في مثل هذه القضايا يتولون مهمة الدفاع إذا لزم الأمر.
* نقل القضية من كونها أمريكية صرفة لتصبح عالمية تدان فيها دول عظمى وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، وإثارة الرأي العالمي حيالها، بعد جمع الوثائق والأدلة القاصمة من مظانها.
* محاولة جمع كل ما قيل من أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر صنيعة أمريكية، ودعم التيار الذي يتبنى هذا الرأي وتعزيز وجوده داخل أمريكا حتى يصبح مع مرور الأيام لوبي مؤثرًا في صناع القرار هناك، إذ إن أفضل وسيلة للدفاع هي الهجوم.
* توعية السعوديين بخطورة الكلمة المكتوبة أو المنطوقة وأثرها في مستقبل القضية، إذ إن هناك مراكز متخصصة ترصد وتحلل، ومن ثم توظف ما تشاء في الوقت الذي تراه مناسباً، وما يدريك ربما تٌصدر هذه المراكز سواء الخاصة أو الجامعية كتباً «بأيدينا نحن كتبناها» تدفع القضية خطوات نحو الأمام فتكون الإدانة - لا سمح الله -.
حفظ الله قادتنا وعلماءنا، وحمى بلادنا، وأدام عزنا، ونصر جندنا، وأعلى رايتنا، ووحد كلمتنا، ويسر أمرنا، ووقانا شر من به شر، ودمت عزيزاً يا وطني، وإلى لقاء والسلام.