إبراهيم بن سعد الماجد
مرّ اليوم الوطني فذكّرنا بتاريخ بناء هذا الوطن الكبير.. هذا الوطن الذي قام على أكتاف رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه, فكان أن مكّن الله لهذا الفتى العشريني من بناء هذا الوطن مترامي الأطراف, فوحد الله على يديه الأرض والقلوب.
هذه المقالة لن تستعرض هذا التاريخ المضيء, وإنما ستستعرض سيرة امرأة تردد اسمها كثيراً في مسيرة المؤسس, واعتبرها البعض جزءًا مهماً من تاريخ الملك عبد العزيز, تلك هي (عزوته ) شقيقته - نورة - نورة.. هذا الاسم الذي يشحذ الهمم, ويبعث برسائل العزم, فعندما ينتخي الملك عبد العزيز بأخته قائلاً - أخو نورة - فاعلم أنه قد عزم على أمر مهم وربما خطير.
هذه المقالة باعثها سمو الأمير الدكتور فيصل بن مشعل بن سعود بن عبد العزيز أمير منطقة القصيم, الذي دائماً ما يكون باعثاً وملهماً للكثير من الأفكار الكتابية وخاصة منها الوطنية, فذات مساء كنت برفقته في جولته التفقدية لأنحاء منطقة القصيم فحدثني عن هذا الاسم الشامخ - نورة - وعن علاقتها الكبيرة والمؤثرة بشقيقها الملك عبدالعزيز - رحمهما الله جميعا - وكيف كانت منذ اللحظات الأولى واقفة مع شقيقها في شحذ همته لاستعادة مجد أسرته, حدثني سمو الأمير فيصل بحديث لم تسطره كتب التاريخ ولم تنقله الرواة, حديث متصل السند يوحي بعظم هذه المرأة وبعد نظرها وقوة عزيمتها, لم تكن نورة مثل أي امرأة تؤثر الراحة وتركن إلى الدعة, ولا كأي امرأة تخشى القتال وتهاب الأعداء, لم تكن نورة الأنثى الرقيقة في مشاعرها إلا رجلا ضرغاما وقت الجد, خضاب يديها وكحل عينيها يخفي جسارة وشجاعة يقصر عنها الكثير من الرجال.
فمن هي نورة؟
هي نوره بنت عبد الرحمن بن فيصل بن تركي آل سعود شقيقة الملك عبدالعزيز فوالدتها الأميرة سارة السديري. ولدت عام 1292 هجري وتوفيت عام 1369 وتعلمت القراءة والكتابة على الرغم أن نساء عصرها لم يكن متعلمات أو مهتمات بذلك, وتزوجت من الأمير سعود بن عبد العزيز بن سعود بن فيصل الملقب بـ (سعود الكبير) ولها منه الأمير محمد بن سعود الكبير( شقران ) والأميرة حصة والأميرة الجوهرة.
والأمير محمد بن سعود الكبير ممن عُرف بالصلاح والتقوى والكرم وهو فارس شجاع وله اهتمام كبير بالفروسية, بل له جائزة سنوية منذ عقود, وهي مستمرة بعد وفاته رحمه الله برعاية من سمو ابنه الأمير سلطان بن محمد, بل لقد انتقلت هذه الصفات الحميدة في ابنه سلطان فصار من الأسماء الكبار المهتمة بالفروسية وتشجيع النشء عليها.
نعود للأميرة نورة - رحمها الله - وتاريخها المضيء , لقد كانت ذات شخصية فريدة, فهي قوية الشخصية بعيدة النظر شجاعة مقدامة, ويجمع كل من عرفها على أنها من الدعائم المؤثرة في إقدام الملك عبد العزيز بما كانت تملكه من شخصية مؤثرة ومقنعة.
لقد كان الملك عبد العزيز يولي رأي أخته نورة عناية كاملة, ويصغي لها بكل حواسه نظراً لما تملكه من حس سياسي متقدم, وكان كذلك يوكل لها شؤون الأسرة فكانت هي من يدير شؤون القصر الملكي وتستقبل الزائرات من داخل البلاد وخارجها ولذا لقبت بالسيدة الأولى. تقول مؤلفة كتاب (نساء شهيرات من نجد) الدكتورة دلال الحربي عن الأميرة نورة ، لقد ارتبطت بأخيها عبدالعزيز برباط وثيق منذ طفولتها المبكرة، إذ كانت تشاركه اللعب كما كانت رفيقته عند خروج الإمام عبدالرحمن الفيصل بأسرته من الرياض في أعقاب موقعة المليداء عام 1891م، كما كانت نورة وبعد سنوات من استقرار الأسرة في الكويت عاملاً مهماً في شحذ همة أخيها عبد العزيز في السعي نحو استعادة ملك آبائه، فوفقاً للمعلومات المتاحة كانت هي التي حثته على تكرار المحاولة لاستعادة الرياض بعد أن أخفق في المرة الأولى، فأخذت تقوي من عزيمته وإرادته، وعندما عزم على الخروج من الكويت بصحبه لاستعادة الرياض، بكت والدته بكاء حاراً، غير أن نورة شجعته، وهو الأمر الذي انتهى إلى نجاح عبدالعزيز ذلك النجاح المعروف تاريخياً. تقول الدكتورة الحربي:
أنها جنبت أخاها - أي نورة - مشاكل وشؤون القصر الداخلية طوال وجودها، كما أنها كانت تشرف على تسيير أمور نساء العائلة؛ إضافة إلى أنها كانت تشفع عند الملك عبدالعزيز لكثير من المحتاجين ومن لهم مشاكل تحتاج إلى حل. ومن نماذج بروز دورها المؤثر أن الملك عبدالعزيز كان يستشيرها في كثير من الأمور وكان يلجأ إليها ليتحدث معها كثيراً ويبحث أمورا كثيرة من شؤونه ويبوح بأسراره لها ويأتمنها على تلك الأسرار، كما استند عليها في بعض الجوانب التي تخص شؤون القبائل، خاصة ما يتعلق بالنساء اللاتي لهن صلات بأفراد من شيوخ القبائل وذوي السلطة في المجتمع. واعتبر المؤرخون أن الأميرة مارست بشخصيتها المميزة واجبات السيدة الأولى، وكانت تستقبل زائرات الرياض من الأجنبيات وتأذن لهن بزيارة ورؤية معالم معينة فيها، كما أنها كانت تهتم بتنمية قدرات الأطفال وتوسيع مداركهم العلمية وتحفيزهم على التعلم، ويبدو ذلك من اهتمامها بالأطفال الذين يختمون القرآن، إذ كانت تكافئهم على أعمالهم. إن الذين يعون دورهم في الحياة يدركون فطنة وبعد نظر المرأة ولا يستخفون أو يتهاونون برأيها أو وجهة نظرها, ولنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم خير قدوة وأسوة, وما الملك عبد العزيز إلا متبع غير مبتدع. تذكُّرنا لأيامنا التاريخية يجب ألاَّ يكون لمجرد التذكر دون التوقف وأخذ الدروس والعبر منها, وإلا ستكون ثقلا وإشغالا دون جدوى.