عبدالله العجلان
إذا كانت القرارات المهمة الكبرى والمكلفة ماديًّا وفنيًّا في الأندية تُتخذ بالطريقة الارتجالية الفوضوية التي نراها دائمًا في التعاقد، ثم الاستغناء عن أبرز عناصر مكونات فريق كرة القدم في النادي (من الجهاز التدريبي واللاعبين المحترفين) فمن المؤكد أن التخبط سيكون أكثر في القرارات الأخرى الصغيرة محدودة التأثير.
في الأسبوع الماضي كتبت تحت عنوان (قراراتكم تدينكم) عن إشكالية الموضة الموسمية المتكررة في إلغاء عقود المدربين، وضربت مثالاً على ذلك بالاستغناء عن مدربي الهلال والخليج والفتح والوحدة بعد مضي أربع جولات فقط. ومثلما ذكرت في المقال ذاته، فإن العدد سيرتفع تباعًا؛ فها هو الأهلي وكذلك التعاون يقرران الاستغناء عن مدربيهما، كما تتردد أنباء عن أن النصر في طريقه لإلغاء عقد مدربه. السؤال: هل المباريات الأربع في الدوري كافية للحكم على مستوى المدرب؟ إذا كانت الإجابة بنعم فهذا يعني أن التعاقد معه في الأصل لم يكن مبنيًّا على قناعات ومعايير فنية دقيقة وإلمام جيد بسيرته التدريبية بقدر ما اعتمد على توصيات واستشارات فنية ضعيفة، أو عبر صفقة سمسرة وعمولات من أطراف عدة من داخل النادي وخارجه، أو أن الإدارة لجأت لقرار الاستغناء من أجل امتصاص غضب الجماهير وتبرئة نفسها من سوء النتائج..!
في كل الأحوال نحن أمام واقع إداري خطير، يؤثر على الأندية والكرة السعودية، ويستنزف منها ملايين الريالات موسميًّا دون أن تحقق منهم أية فائدة فنية تُذكر، إضافة إلى أن المدربين أنفسهم أصبحوا يتعاملون مع الأندية السعودية بطريقة تجعل قرار الاستغناء سريعًا، وبعد أن ينالوا كل المزايا المالية. وهذا ما سمعناه من رئيس الهلال الأمير نواف بن سعد الذي أشار إلى أن تصرفات المدرب جوستافو في اختيار التشكيلة توحي بأنه يريد إنهاء عقده.
الغريب في هذا الجانب أن كثيرًا من الإعلاميين المحسوبين على الأندية لا يتجرؤون أو على الأقل لا يهتمون بطرح الأسئلة على إدارات الأندية؛ الأمر الذي يتيح للإدارات فرصة اتخاذ مثل هذه القرارات الفوضوية بلا مساءلة أو نقد إعلامي، يكشف أمام الجماهير والرأي العام حقيقة آلية التعاقد مع المدرب وأسباب ومبررات إلغاء عقده. فعلى سبيل المثال: كيف تعاقد الهلال مع جوستافو صاحب الإمكانات المتواضعة والسيرة الذاتية غير المستقرة؟! ما سر إصرار جروس على الرحيل ثم العودة بهذه السرعة؟! من الذي قيّم واقتنع وقرر التعاقد مع قوميز؟ وهل هو نفسه من قرر الاستغناء عنه؟ قبل ذلك لماذا صمتت إدارة التعاون ولم تتخذ أي إجراء ضد المدرب قوميز المستمر عقده حتى نهاية 2017م؟ وغير هؤلاء هناك الكثير من المواقف والأحداث التصرفات والممارسات مع المدربين وكذلك مع اللاعبين من المفترض إثارتها إعلاميًّا، ومناقشة ظروفها وملابساتها، وفضح أية شبهات مالية أو إدارية تدور حولها؛ حتى لا تتكرر وتتحول إلى ظاهرة يصعب معالجتها والحد منها وإيقاف نزيفها المدمر..
وداعًا للهياط!
الآن، وفي ظل الظروف الاقتصادية والتحولات الجديدة الهادفة إلى ضبط وترشيد وتقنين الإنفاق على كل الأصعدة، وبحكم أن الوسط الرياضي بات محل تندر وتذمر سائر أفراد المجتمع بسبب الإسراف المبالغ فيه والصرف غير المبرر على تعاقدات مضحكة، آثارها السلبية أكبر بكثير من إيجابياتها، أصبح من الضروري أن تتدخل الهيئة الرياضية (المظلة الرسمية للأندية السعودية ومجالس إداراتها والمشرعة للوائحها)، وتبدأ في صياغة ومن ثم تطبيق أنظمة جديدة صارمة، تمنع الأندية من التمادي في الإنفاق على تعاقداتها، وكذلك إقرار نظام يقف في وجه القرارات العشوائية المتسرعة في اختيار المدربين والاستغناء عنهم..
أقول إن الهيئة هي المعنية والمؤهلة لإقرار مثل هذه الأنظمة؛ لأن الجمعيات العمومية مغيبة، ولأن الإعلام - كما ذكرتُ - يتحاشى لأسباب عاطفية القيام بدوره المهني النزيه؛ وبالتالي لا يشكل أية قوة مؤثرة تكون بمنزلة الجهة الرقابية التي تفتش وتناقش إدارات الأندية على قراراتها. زد على ذلك أن الهيئة بدأت قبل فترة اعتماد التنظيم الخاص بديون الأندية، وإلزامها بحد معين كشرط أساسي لإنهاء إجراءات التسجيل في لجنة الاحتراف؛ ما يعني أن بإمكانها اتخاذ خطوة مماثلة فيما يتعلق بالمدربين من حيث قيمة وبنود ومدة عقودهم، وربطها بتشكيل مجالس الإدارات والميزانية السنوية للأندية المصادق عليها من قِبل المكاتب الرئيسية والفرعية للهيئة في مناطق المملكة.
الأهم مما تقدم، ولفهم الواقع وقراءة المستقبل بصورة موضوعية مفيدة، على الأندية إدراك أن كمية التبرعات والدعم من أعضاء الشرف والهيئة واتحاد الكرة وحتى الشركات الراعية لن تكون بسخاء ومرونة وتفاعل وتجاوب المواسم السابقة، وهذا وحده يفرض على الأندية التوقف عن تراكم الديون نتيجة «هياط وفشخرة» وتبذير عشرات الملايين. عليها ترتيب أولوياتها، وإعادة النظر في أسلوب إنفاقها، وأيضًا البحث عن مصادر دخل أخرى، وبخاصة الجانب الاستثماري المعطل لغياب الإرادة الجادة والإدارة القادرة على توفيره والاستفادة منه بطريقة مؤسساتية احترافية، وليس من باب الفزعة والواسطة لضمان استمراره وتطويره وزيادة أرباحه.