يذكِّرنا عنوان المقال بقصة الحاكم المؤمن ذي القرنين، وهو واحد من 4 ملوك حكموا الأرض قاطبة. في سيرة ذي القرنين الكثير من العبر التي نستلهمها وحري بنا تطبيقها في شؤون حياتنا. تعددت التفاسير في الآية (فأتبع سبباً) ومن ضمنها تفسير سعيد بن جبير: علما، والعلم هو اتباع السبب، وهو فعل لازم لكل مؤمن حتى يحقق ما يصبو إليه، كما أخبر الحبيب عليه الصلاة والسلام في الحديث: (قال رجلٌ يا رسولَ اللهِ أعْقِلُها وأتوكل أو أُطْلِقُها وأتوكل قال اعْقِلْها وتوكل) رواه أنس بن مالك رضي الله عنه.
بعد التفكير في كل حلم ما يفتأ المرء يحدث نفسه بقوله: أرغب بذلك ولكن لو كان عندي كذا وكذا، لو كنت أعرف فلاناً، ويستمر انتظار السبب بلا فعل تجاه ذلك السبب. لكن في تعريفنا للسبب، ما هو السبب؟ وهل فعل الأسباب كاف لتحقيقها؟ هل كان ذلك السبب هو السبب المطلوب لنيل الحاجات؟
زيد وعمرو ربما جمعتهما ظروف واحدة وقررا فعل أمر مشترك وفعلا نفس الأسباب، ولكن الأمر نجح مع أحدهما دون صاحبه، وهنا يتباين الناس في مسألة إيمانهم بالقضاء والقدر خيره وشره وصدق نواياهم.
عوداً لقصة ذي القرنين مع القوم الذين طلبوا مساعدته لكف أذى يأجوج ومأجوج، وفي هذه القصة منهج قويم، فلنتأمل تراتبية الآيات وكيف بدأ ذو القرنين بالأسباب: {قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَن تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا}.
أولاً: وضوح الطلب مع تعليله، اعتراف بالمشكلة واستعداد تام للتغيير.
قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ
ثانياً: تفويض الأمر لله، إيمان راسخ.
{فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ}.
ثالثا: سبب المرء لوحده لا يكفي، في التعاون قوة، ومن أراد التغيير يجب أن يكون جزءا لا يتجزأ عنه. {أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا}
رابعاً: إظهار القدرات الشخصية والاستعداد للمشاركة في التغيير. وفي هذه الآيات الكريمة رسالة واضحة جداً، وهي عدم تقديم الأنا في القدرة على التغيير، ذو القرنين على ما لديه من حكم وعلم إلا أنه أظهر حسن توكله وحاجته الدائمة لرحمة الله سبحانه، ثم العمل بروح الفريق والاستفادة من الخبرات، ثم فعله وعمله، وهذا تسلسل منطقي يقبله العقل.
فما بال البعض إذا همَّه أمر من أمور الدنيا وضاقت عليه الأرض بما رحبت بدأ ولم يضبط نيته، لم يخطط جيداً ولا حتى يسأل من هم أعلم منه، ثم يقول بصوت الحائر: لقد فعلت وفعلت مرات عدة ولكن الله لم يقدر! وهل سببك يا عزيزي هو السبب الذي يضمن التغيير بعد مشيئة الله؟
أسباب التغيير كثيرة ولا توجد وصفة أو مخطط يمشي عليه المرء حتى يصنع التغيير، لكل حالة ظروفها وقدراتها ومستوى متباين من الإيمان والوعي. ربما كان فلان بحاجة للإكثار من النوافل، بينما فلان كان بحاجة لدفع ديونه والثالث أن يوسع اطلاعه ويطمس ظلام جهله، والآخر كان بحاجة فقط لإصلاح العلاقة ومسامحة قريبه أو أخيه الذي طال بهما العهد على خلاف قد مضى. راقب عوائقك واصدق في أمرك، واحذر من اغترارك بما لديك من تمكين؛ فمال قارون لم ينفعه عند الخسف، وملك فرعون لم يسعفه عند الغرق. وتذكر دائما أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وأن ما أخطأك لم يكن ليصيبك.