كوثر الأربش
ماذا ستفعل لو أنك تسير بمفردك في الظلام، شخص شديد البنية مغطى بالسواد، يغطي نصف وجهه، ويحمل شيئًا لا تراه جيدًا، ثم يركض نحوك؟
التصرف المتوقع لحادثة متخيلة كهذه أن تركض نحو النجاة، لأنك اعتقدت أنه سيؤذيك، اعتقدته قاتلًا أو لصًا. هذا ما يسمى بالتحامل، أو الحكم المسبق. هكذا تعمل عقولنا ضدنا أحيانًا، أو ضد الحقيقة بمعنى أدق. الميل للتحامل طبيعي لأسباب أنثربولجوية تهدف للحفاظ على البقاء، البقاء الفردي أو العرقي أو الحفاظ على الهوية.
هذا، إذا ماعرّفنا التحامل على أنه: (أي اعتقاد، سواء كان صائبا أم مخطئا، تم تبنيه بدون تبصر بالأدلة أو أحيانا كتحدٍ لها). بحيث يبنى على خبرات سابقة ومحدودة تشكل حكما صلبًا غير قابل للثني أو التحوير أو الاستثناء. وغالبا ما يسبب عيب في التفكير، وبالتالي قرار متهور.
من حولنا الكثير من الشواهد على الأحكام المسبقة، كلنا عرضة لها، أعني لكل عقل تحامله الخاص ولو بقدر يسير ضد أو مع شخص أو فئة أو جماعة أو عرق ما. بحيث يبرز ارتباط المظاهر بشكل مباشر بالمفهوم أو التصنيف. ولنا نحن الشرق أوسطيين تمثل (اللحية للرجل، والحجاب للمرأة) أهم مأزق من مآزق الأحكام المسبقة، سواء بالداخل ضمن بقية مكونات المجتمع أو في الخارج حيث يتم إدراجك ضمن سلسلة تفاسير من مجرد «لحية» أو «حجاب». كلنا نذكر فتاة البوركيني الإسلامي في فرنسا، وكيف تم إرغامها على خلع الحجاب أمام الجميع. الحجاب الذي جر وراءه تهم لا تفكر المرأة بارتكابها على أكبر تقدير.
حدث هذا في القطيف، تحديدا في «البحاري» حيث انقضت حشود من المواطنين السعوديين على مواطن سعودي كان يتجول هناك، أبرحوه ضربًا، وحطموا سيارته، ثم قامو بتصويره والإبلاغ عنه. قبل أن أسهب: هل أوجعتك عبارة ( سعوديون يعتدون على سعودي)؟ هذه هي الحقيقة، الحقيقة التي يقشعر لها البدن، الحقيقة التي تشبه أن أحد أعضائك يأكل عضوا آخر!
نعود للمواطن الذي نال نصيبا وافرًا من العقاب لأنه تاه في منطقة لديها حكم مسبق على ذقنه وثوبه. لنركز على أن الحكم المسبق ليس فقط مشكلة الدول، بل هي آفة عقلية تتلف أي فرصة للتفكير المنطقي والإنساني والأخلاقي. الرجل في المستشفى ليتلقى العلاج، ونأمل أن يجد الجناة عقابهم. لكن هذه الحادثة المؤسفة قد تمضي، وننساها كما ننسى كل شيء. لكنها ستتكرر مرارًا من حولنا، علينا فقط أن نتحلى بالروية ولا نثق كثيرًا بالأوامر المستعجلة التي تزودنا بها عقولنا، عقولنا التي قد تكون مصابة بآفة التحامل.