د. عبدالواحد الحميد
حديث الساعة في كل مكان هذه الأيام هو قانون «جاستا»، وهو القانون الذي أصر مجلسا الشيوخ والنواب الأمريكيان على تمريره بأغلبية ساحقة رغم الفيتو الرئاسي الذي اتخذه الرئيس الأمريكي باراك أوباما ضد القانون!
هذا القانون الذي يحمل اسم «قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب» يحمل صفة العمومية، لكن المقصود به المملكة لاستنزاف أموالها وثرواتها من خلال عملية لصوصية واضحة بحجة تعويض أسر ضحايا هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.
فعلى الرغم من ان المملكة تمت تبرئتها من أي تهمة اشتراك في تلك الهجمات، وبالرغم من أن المملكة هي من الدول المتضررة من العمليات الإرهابية وأنها تعتبر في مقدمة الدول التي تقوم بجهود كبيرة لمكافحة الإرهاب، فإن بعض مكاتب المحاماة في أمريكا تريد أن تتكسب من وراء توظيف قانون فضفاض يدين المملكة فيتيح لهذه المكاتب ان تحصل على عمولات تبلغ مليارات الدولارات من خلال تمثيلها لأسر ضحايا الحادي عشر من سبتمبر.
كما أن الانتهازية المقيتة التي أبداها النواب والشيوخ في الكونغرس الأمريكي من أجل إعادة انتخابهم من خلال المتاجرة بمآسي ضحايا حوادث التفجير تثير الاشمئزاز حقاً!
قانون «جاستا» الذي سيزيل الحصانة السيادية ليس سوى مهزلة لا معنى لها لأن الولايات المتحدة هي أكثر دول العالم استفادة من مبدأ الحصانة السيادية، وبالتالي فهي تُعَرِّض نفسها للمساءلة أكثر من غيرها، لكن المؤكد أن الشيوخ والنواب في الكونجرس الأمريكي يعتقدون أن بلدهم فوق القانون وأن الدول الأخرى هي فقط التي ستفقد الحصانة السيادية وليس أمريكا!
منتهى التخبط هو ما انتهى إليه الكونغرس الأمريكي، فالعالم كله يتحدث عن أمريكا التي فقدت عقلها ولا أحد يعرف كيف يمكن تطبيق مثل هذا القانون العجيب، وقد عبر مسؤولون حكوميون في بلدان عديدة عن استغرابهم من موافقة الكونجرس على القانون.
وبالرغم من سوء النية خلف هذا القانون المفصل من أجل «سرقة» السعودية، فإن القانون في المحصلة النهائية سيؤثر على الجميع وليس على السعودية فقط، وذلك في حالة المضي قدماً في تطبيقه، لكن المهم بالنسبة للمملكة هو أن تراجع حساباتها فعلاً مع أمريكا. فقانون «جاستا» ليس سوى آخر ما أتحفتنا به أمريكا صديقة الأمس من مواقف لا يمكن وصفها بأنها ودية تجاه المملكة.
إنني اؤمن بأن المصالح هي التي في النهاية تحكم العلاقات بين الدول وأن العواطف لا مكان لها في هذا المجال، وأؤمن بأن أمريكا تدرك أهمية السعودية سواء أحبتنا أم أبغضتنا، لذلك لابد من توظيف كل الأوراق التي نملكها لتحقيق مصالحنا سواء أوراق الاستثمارات أوالنفط اوالتحالفات أومكافحة الإرهاب أوغيرها.
الظرف حرج ودقيق، وهذا القانون الغبي يمكن هزيمته من خلال الثغرات الكبيرة التي توجد فيه، ولست ممن يرون الاندفاع الحماسي بل أرى ضرورة التروي والتنسيق مع بقية دول العالم بما فيها دول الاتحاد الأوروبي، وبعد ذلك نتخذ ما يحقق مصالحنا، فهذا هو الأهم وليس مشاعر الغضب التي تتملكنا الآن.