المدينة المنورة - علي العبدالله:
لم يكن التصريح الذي أطلقه محمد عبده بعد حفل دبي الأخير تصريحاً عادياً؛ بل كان مُختلفاً لأنه (نكأ) الجرح الكبير القديم، الذي غُيّب فيه المسرح الغنائي السعودي الأمر الذي جعل الجمهور يُغادر حدود بلده ليستمتع إلى الطرب السعودي بعيداً عن الوطن.
لم تكن عبارة (نلتقي في الوطن) التي ذكرها محمد عبده في ختام حفل دبي، عبارة عادية مّرت بسلام على الجمهور السعودي سواء من حضر في الحفل أو من سمعها؛ لأنها عبارة حالمة، تظهر وكأن في محتواها أماني (موءودة) بسبب ملامح الأسى التي ارتسمت على فنان العرب حينها.
لم تكن كلمة إن شاء الله لا يبقى الفن السعودي في (المنفى) هي الأخرى عادية بل حملت رسائل جادة من فنان له ثقله ووزنه وتاريخه الطويل في أرض الوطن وعلى صُناع القرار فيه، لذا لا يمكن أن يُستهان بنتائج هذه الكلمة وأبعادها التي قطعاً سيكون لها تأثيرات كبيرة في المستقبل القريب وقد تكون نقطة تحول وبداية لعهد زاهر للحفلات الغنائية السعودية في مختلف أرجاء المملكة.
هذه العبارات التي ذكرها فنان العرب في حفله الأخير، خرجت من مطرب ومواطن يغار على وطنه ويتمنى لها المجد والازدهار، ومواطن يتحسر على غياب المسرح الغنائي على أرض وطنه بعد أن كان لهذا الوطن صولات وجولات في هذا الجانب يشهد لها تاريخ المسرح الغنائي في أماكن متفرقة في السعودية منها مسرح المفتاحة في أبها، حفلات جده غير الصيفية.
محمد عبده كعادته اختار أن يُنشط الدورة الدموية للصحافة السعودية الفنية بطريقته الخاصة بعد (فتور) لم يدم طويلاً حيث أشعل هذا التصريح (الناري) -إن صح التعبير- وسائل الإعلام المقروءة والمرئية وكذلك فعل مع وسائل التواصل الاجتماعي، ولا أبالغ إن قلت إنه أصبح حديث المجتمع السعودي بكل فئاته بسبب الشعبية الكبيرة التي يحظى بها هذا الفنان دون غيره.
محمد عبده علّق في أول ظهور له بعد هذا التصريح في برنامج «صباح العربية» مع الزميلة مُهيرة عبدالعزيز بأن قادتنا يرون مالا نرى ونحن في أتم الاستعداد على إحياء حفلات في وطننا إذا طُلب منا ذلك. كما أشار إلى أن سبب إلغاء حفلتي الرياض وجدة قد يكون موسم الحج وكذلك مناسبة اليوم الوطني، ولم يؤكد ذلك بشكل صريح.
محمد عبده ألقى الحجر في المياه الراكدة كعادته وحركها بسؤالٍ، وهو مُحق في هذا التساؤل المنطقي جداً، الذي نُشاطره الرأي فيه ونتساءل بحرقة مصحوبة بمرارة ووجع؛ ونقول بأسى لا نملك فيه لا حول و لا قوة، متى نرى حفلاتنا الغنائية تُقام داخل وطننا لتنجح كما نجحت في دول أخرى قريبة في الخليج والعالم العربي أو بعيدة في أوروبا، متى نستقطب السياح الخليجين لنا عوضاً من أن نشد رحالنا إليهم مهدرين بذلك فرصاً اقتصادية كبيرة قد تنعش آمال السياحة الداخلية التي (هجرها) البعض بسبب غياب الترفيه الحقيقي بعيداً عن الفعاليات والمهرجانات (المُعلّبة)؛ التي تظهر أحياناً وكأنها صورة من أرشيف الزمن بسبب عدم مواكبتها للعصر الحديث.
الجوانب الإيجابية لإقامة الحفلات الغنائية داخل الوطن يطول سردها فهي إحياء لتراث وفن وثقافة وإنعاش لاقتصاد داخلي وسياحة تراثية (غاب) مفهومها عند البعض، فذهبنا نبحث عنها خارج حدودنا (فاستنزفت) جيوبنا ولا نعرف ما السر الحقيقي وراء تعمد توقف هذه الحفلات وغيابها بعد أن كانت تعيش في تألق كبير في الماضي، نتمنى فعلاً، أن نلتقي «قريبا» بحفلة غنائية سعودية قادمة.