عبد الرحمن بن محمد السدحان
كنتُ وما زلت من بين المتحمّسين لتعلمّ اللغات الأجنبية، معْرفةً وثقافةً، لا بل إنني في مقدمة الداعين إلى الاهتمام بمناهج هذه اللغات في مدارسنا وجامعاتنا، ضمن برامج تربية النشْء، تحصيناً لذهنه من الأمية الثقافية، وتمكيناً له من التواصل مع إبداعات الفكر الإنساني.. حيثما كان. لأن الثقافة السويّة في تقديري المتواضع لا تعترفُ بحدود ولا حواجز، فهي تسبح في الفضاء، وتعبر الحدودَ، وتدخل البيوتَ من أبوابها ونوافذها، وعبر جدرانهَا.
***
إذن، فلسنا هنا أمام جدليّة الرفض أو القبول للّغة الأجنبية، كوعاء حيّ نقيّ لنقل الجرعات الثقافية والمعرفية المطلوبة لسموّ الإنسان، بل إن مسألة كهذه باتتْ أمراً محسُوماً في أذهان الأسوياء من الناس، ولا يثني عزمي عن تبنّي هذا الموقف القولُ بأن الاهتمامَ بلغة أجنبية يمكن أن يتمَّ على حساب لغتنا الأم، فلغتنا العربية خالدة في الذهن والذاكرة والوجدان معاً، وتعلّم لغة أخرى لن يزيدنا بلغتنا إلاّ التصاقاً وحباً.
***
غير أن ما سبق من قول لا يحول دون الحديث بإيجاز عما اعتبره تجسيداً جديداً لبدعة تحتل عقول نفرٍ من الناس، تتمثّل في الإصرارِ على استخدام كلمات أجنبية في لوحات التعريف بالمتاجر والمجمّعات التجارية والمؤسسات، مع أن اللغةَ العربيةَ غنيةٌ بالكلمات ذات المدلول المباشر والملائم والجميل معاً! إذ يتكرر في كثير من مدننا الكبرى استخدام كلمات ذات جذور أجنبية مثل: (سنتر) (بلازا) (جالاريا) و(سوبر ماركت) مقترنة بكلمات عربية ذات دلالات تتعلّق بأشخاص أو أماكنَ.
وفي تقديري أنه لا يُوجد سبب مقنع يسوَّغ اللجوءَ إلى مثل هذه الألفاظ الأجنبية، ما دام أن الاسم والمسمّى في بلد ينطق العربية، ويتعامل بها في كل شأن من شئون حياته، وما دامت لغتنا ثرةً في توفير البديل، مثل (مركز) (مجمّع)، (السوق المركزي)، ونحو ذلك، فلماذا التفريط بها باستخدام معاجم دخيلة؟.
***
أخيراً.. أقول للمصابين بهذه البدعة: لا تُخْجِلوُا كرامةَ لغتنا العربية بمثل هذه البدع، وأزعم أن هناك فرقاً بين تعلّم لغةَ قوم وإتقانها لتنمية النفس وصد مكر أهلها، وبين اقتباس كلماتٍ مبعْثَرة من هنا أو هناك تملك لغتنُا لها البديلَ الأفضلَ دلالةً، والأكثرَ التصاقاً بأذهان الناس.