من هنا من الحد الجنوبي من نجران الشموخ، يطل علينا في كل عام ذكرى اليوم الوطني للمملكة لتعيد إلى الأذهان هذا الحدث التاريخي الهام، ويظل يوماً محفوراُ في ذاكرة التاريخ منقوشاُ في فكر ووجدان المواطن السعودي، كيف لا.... وهو اليوم الذي وحد فيه جلالة الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن طيب الله ثراه، شتات هذا الكيان العظيم وأحال الفرقة والتناحر إلى وحدة وانصهار وتكامل. وفي هذه الأيام تعيش بلادنا أجواء هذه الذكرى العطرة (ذكرى اليوم الوطني)، وهي مناسبة خالدة ووقفة عظيمة تعي فيها الأجيال قصة أمانة قيادة.... ووفاء شعب، ونستلهم منها القصص البطولية التي سطرها مؤسس هذه البلاد الملك عبد العزيز «رحمه الله»، الذي استطاع بفضل الله وبما يتمتع به من حكمة وحنكة، أن يغير مجرى التاريخ وقاد بلاده وشعبه إلى الوحدة والتطور والازدهار متمسكاً بعقيدته ثابتاً على دينه. إن في حياة الأمم والشعوب أياماً هي من أنصع تاريخها، ويومنا الوطني لبلادنا الطاهرة تاريخ بأكمله، إذ يجسد مسيرة جهادية طويلة خاضها البطل الموحد المغفور له بإذن الله الملك عبد العزيز آل سعود - طيب الله ثراه - ومعه أبطال مجاهدون هم الآباء والأجداد - رحمهم الله جميعاً - في سبيل ترسيخ أركان هذا الكيان وتوحيده.. تحت راية واحدة وهي راية التوحيد . ومثلما كان اليوم الوطني تتويجاً لمسيرة الجهاد من أجل الوحدة والتوحيد، فقد كان انطلاقة لمسيرة جهاد آخر.. جهاد النمو والتطور والبناء للدولة الحديثة.
اليوم الوطني مناسبة عزيزة تتكرر كل عام نتابع من خلالها مسيرة النهضة العملاقة التي عرفها الوطن ويعيشها في كافة المجالات، حتى غدت المملكة وفي زمن قياسي في مصاف الدول المتقدمة، بل تتميز على كثير من الدول بقيمها الدينية وتراثها وحمايتها للعقيدة الإسلامية، وتبنِّيها الإسلام منهجاً وأسلوب حياة حتى أصبحت ملاذاً للمسلمين، وأولت الحرمين الشريفين وقبلة المسلمين جل اهتمامها، وبذلت كل غالٍ في إعمارهما وتوسعتهما بشكل أراح الحجاج والزائرين، وأظهر غيرة الدولة على حرمات المسلمين وإبرازها في أفضل ثوب يتمناه كل مسلم.
ولقد دأبت حكومة المملكة منذ إنشائها على نشر العلم وتعليم أبناء الأمة والاهتمام بالعلوم والآداب والثقافة، وعنايتها بتشجيع البحث العلمي وصيانة التراث الإسلامي والعربي، وإسهامها في الحضارة العربية والإسلامية والإنسانية، وشيدت لذلك المدارس والمعاهد والجامعات ودور العلم. ما حققته المملكة العربية السعودية سبقٌ في كل المجالات، وأخص منها المجال الصحي.. فلقد شهدت المملكة نهضة صحية كبرى أصبحت مضرب المثل، وأخذت بأسباب التقنية الحديثة في برنامج يربط مستشفيات المملكة بالمراكز الطبية والجامعية المتخصصة عبر الأقمار الصناعية على مدار الساعة، الأمر الذي يزيد من فرص الاطلاع المعرفي ومن سهولة الاستعانة بآراء طبية أخرى، تمكّن من تشخيص بعض الحالات التي ربما كانت في السابق تتطلب سفراً شاقاً للحصول على مثل هذه الخدمات.
توحيد هذه البلاد على يد قائدها الملك عبد العزيز - رحمه الله -، لهو تجربة متميزة للمجتمع الدولي وأحد النماذج الناجحة في تاريخ الأمم، وإبراز ذلك النهج الذي تبنّته المملكة في سياستها الداخلية القائمة على مبادئ الإسلام الحنيف، وكذلك في علاقاتها الدولية المستمدة من تراثنا وحضارتنا واحترام مبادئ حقوق الإنسان في أسمى معانيها، كما أنها فرصة ثمينة أن نغرس في نفوس النشء معاني الوفاء لأولئك الأبطال الذين صنعوا هذا المجد لهذه الأمة فيشعرون بالفخر والعزة ونغرس في نفوسهم تلك المبادئ والمعاني التي قامت عليها هذه البلاد، منذ أن أرسى قواعدها الملك عبد العزيز - رحمه الله - إلى عهدنا الزاهر بقيادة ملك العزم والحزم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله -، لكي نعمّق في روح أبناء الوطن معاني الحس الوطني والانتماء إلى هذه الأمة حتى يستمر عطاء ذلك الغرس المبارك.
وفق الله الجميع في رسم تلك الصورة المشرقة لما يزيد على قرن من الزمان، خرجت فيه الجزيرة من أمم جاهلة متناحرة، إلى أمة موحدة قوية في إيمانها وعقيدتها، غنية برجالها وعطائها وإسهامها الحضاري.. فخورة بأمجادها وتاريخها ..!
م. طارق الزهراني - مدير فرع وزارة العمل والتنمية الاجتماعية بمنطقة نجران