في حياة الكثير من الشخصيات العالمية وقفات هامة تتيح التأمل وتقدير الأدوار وسلمان بن عبدالعزيز نموذج شديد التميز لتلك الشخصيات العالمية فالملك سلمان بن عبدالعزيز حاضر في الحياة اليومية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإنسانية لآلاف بل ملايين الناس. ولذلك فمن الصعب جدا أن يلتقط القلم فعلا واحدا يسلط عليه الضوء فكل فعل يستحق الوقوف عنده، فالملك سلمان بن عبدالعزيز من أكثر الشخصيات العالمية التي سجلت حضورا بارزا على المستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والإنساني والبنائي، بل إنك تستطيع أن تقول: إن سلمان بن عبدالعزيز أحد الحكام القلائل الذين يتداخلون مع الناس تداخلا عفويا تلقائيا يسير سيرتهم ويحيا حياتهم ويمتزج بطبائعهم. قبل سنوات ليست بالبعيدة رأيت سلمان بن عبدالعزيز مرة يمازح (جمعا من المهنيين) في أحد الأحياء الشعبية وسط مدينة الرياض، رأيت صور التواضع والتبسط والتسامح، ورأيته في مناسبات مختلفة ممتزجا مع الناس امتزاجاً أقل ما نقول عنه إنه واحد منهم وهو في الحقيقة واحد منهم. هذا يحدث عشرات المرات، ولكن لم تكن كاميرات التلفزيون حاضرة لتريك طرفا من نبل وتواضع وتسامح سلمان بن عبدالعزيز.
قال لي شخصية هامة لازمت سلمان بن عبدالعزيز بعضا من حياته: إن سلمان ابن عبدالعزيز رمز حي ماثل للتسامح والتواضع والتبسط واللين والتواصل.
إن كثيرا من الساسة العالميين يأتون بكل ما عندهم وبما ليس عندهم من صور الإنسانية عندما تكون أجهزة الإعلام حاضرة، ولكن سلمان بن عبدالعزيز حالة استثنائية، أين لي بحاكم عربي أو غير عربي يقرأ الجريدة اليومية صباحا.. يقرأ عن طالب حاجة أو مريض أو عزاء، فيركب سيارته فيزور هذا ويعزي هذا ويسأل عن حاجة هذا رغم المسؤوليات العظام، فإن سلمان بن عبدالعزيز يظهر اهتماماً شخصياً بكل من يقابل ويصافح ويحادث، هنا يكون الارتباط بين الحاكم والناس ويصير الجميع كلا واحدا.
إننا عندما نكتب عن الملك سلمان بن عبدالعزيز إنما نعبر عن مشاعر الناس الذين منحهم سلمان بن عبدالعزيز اهتمامه ووقته وتفكيره وأن قيم الوفاء والأصالة تقضي منا أن نتحدث عن رجل هو العزيمة الواثبة وراء الكثير من نجاحاتنا وإنجازاتنا وطموحاتنا.
كان سلمان بن عبدالعزيز الإرادة والعزيمة والفعل وراء بناء هذه المدينة (الرياض)، ولا تسأل إلى أي مدى كانت الرياض تأخذ من جهده وفكره واهتمامه الشخصي، إن نظرة واحدة لهذه المدينة تؤكد مدى التوسع الهائل، فما حدث الآن هو بكل المقاييس فوق التصور.
فقد سجلت هذه المدينة أكبر عملية تطورية تنموية يعرفها العالم، كان البناء يتلاحق بإيقاع سريع، وكان سلمان بن عبدالعزيز يريد لهذه المدينة أن تدخل حضارة العصر؛ من الباب العريض، ولذلك فليس من قبيل المبالغة عندما يقال: إن هذا الذي صار ويصير للرياض قد يكون غير ممكن إلا بوجود شخصية سلمان بن عبدالعزيز.
لقد ارتبط اسم سلمان بن عبدالعزيوز بهذه المدينة ارتباطا حضاريا، وعند ذلك صارت الرياض إحدى أهم عواصم العالم من حيث التطور والنمو والثقل الثقافي والاقتصادي والحضاري، قد اختزلت الرياض في أعوام قصيرة ما مر على كبريات المدن العالمية حقبا وقرونا.
ولذلك فإن الرياض تخرج إلى العالم متحدثة بصوتها وصمتها، وبعمارتها وطعمها ولونها ونكهتها، متحدثة كيف تكون المدائن رموزا لعوالم وناس وأشياء ومعان وقيم. ولو أردنا أن نستعرض في تسلسل تاريخي للإنجازات الحضارية لاحتجنا إلى عشرات المجلدات.
لقد وضع الملك سلمان بن عبدالعزيز أنظاره على أهداف حضارية تمثلت في المخطط الاستراتيجي الشامل لمدينة الرياض، الذي يهدف إلى وضع رؤية للمدينة للخمسين عاما القادمة.
إن كل منا يعلم ماذا أعطى سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- الرياض، ونعلم حجم الإنجاز الذي أعطاه للوطن كافة. وبنفس الروح والفعل الذي أعطاه -حفظه الله- للرياض امتد ليشمل الوطن كله. فمنذ اللحظة الأولى التي تولى فيها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- مقاليد الحكم حمل معه توجها حضاريا مستقبليا فريدا.. ومنذ البداية أظهر -حفظه الله- اهتمامه الشخصي والكبير بمنظومة الإصلاح الحضاري الشامل، حيث وجدت هذه البادرة الملكية الكريمة منتهى الحفاوة والتقدير وهذا يدل على بعد حضاري وعصري يضاف إلى مكونات الصور لخادم الحرمين الشريفين كشخصية عالمية ذات أدوار متعاظمة.
ومع إطلالة هذه المرحلة التاريخية الهامة فقد حان الوقت لنستنطق أقلامنا لرواية وتحليل واستقراء وتوثيق قصة الإصلاح التي دارت عجلتها بكامل قوتها وتصاعدت في الوطن كله وصارت ممارسة يومية تؤخذ مبادرة لا تقليدا أو محاكاة وفق منهج حضاري ومنظور صحيح يعبر عن آمال وتطلعات وطموحات الإنسان السعودي لارتياد آفاق الحضارة.
واليوم تقف بلادنا على عتبة العصر الحديث لتأخذ مكانها وسط الصفوف والإصلاح في هذه اللحظات التاريخية يأخذ حجما وأهمية يفوقان كل اعتبار آخر لأنه يخرج بأمة حضارية كاملة إلى مرحلة الآفاق الجديدة. وأن واجب المثقف الحديث تكريس الإحساس اتجاه هذه اللحظة التاريخية.
لقد شق الملك سلمان -أيده الله- طريق الإصلاح الحضاري المؤسس على التعاليم الإسلامية والمبادئ والقيم الإنسانية العليا بعزم وحزم ورؤية مستنيرة وأمل شجاع متوجها نحو المستقبل حيث تقتحم بلادنا حضارة العصر وتمارس فعل العصر، ولابد أن ننظر إلى هذه المهمة التاريخية التي يضطلع بها خادم الحرمين الشريفين -حفظه الله- نظرة هادئة نظرة تتجاوز رمزيتها إلى جوهرا وتخترق شكلها إلى محتواها.
فماذا يعني هذا الإصلاح
يعني أن بلادنا عاقدة العزم -بإذن الله- على أن تختزل في أعوام قصيرة ما استغرق الحضارة الحديثة التي سبقتنا أعواما طويلة وأننا أمة تستطيع أن تستفيد فائدة واعية من مقدراتها البشرية، وأننا مصممون -بعون الله- على دخول دنيا العلم والتكنولوجيا وأنه لم تعد هناك حواجز أو حدود أو سدود تستطيع أن تجهض طموحاتنا وأن كل الإنجازات التي كانت في مستوى الأحلام في أمس قريب صارت اليوم في متناول اليد.
لاشك أن الملك سلمان -حفظه الله- ذو حس حضاري خارق ويتمثل ذلك الحس الحضاري في الإيمان الواعي بالحوار ليس فقط لتوضيح وجهات النظر، وإنما كذلك للسعي الإيجابي لتأكيد الذات والعمل على بلورة الخيار الحضاري لأن الحوار هو البديل العاقل للصراع، ولأنه الوصيلة المثلى لتحقيق الأهداف الوطنية والقومية في هذا العالم المتشابك المصالح.
لقد أخذت العلاقات الدولية أشكالاً جديدة أملتها الأوضاع العالمية الجديدة فالمتغيرات السياسية في منطقة الشرق الأوسط استدعت دخول المملكة كبلد رئيسي في ساحة الأحداث بقوة واستخدمت المملكة ثقلها السياسي إقليميا وعالميا من أجل الوصول إلى مشاريع حلول عادلة وسليمة مما جعلها تأخذ صدر الصورة في أي مسعى سياسي ولقد تم ذلك بفضل الله، ثم بما هي عليه المملكة اليوم من حكمة ونظرة واسعة ومتسامحة ومن عزة وقوة وشموخ في المجتمع الدولي بحيث أصبحت كيانا يجمع وبلدا يوحد وقوة تعزز قدرة الأشقاء، وتدعم الحق وتقف إلى جانب المبادئ في عالم يتنازعه الخوف وتتخطفه النكبات. ومع إطلالة هذه المرحلة ظهر الملك سلمان -يحفظه الله- على الساحة العالمية كفاعل ذي دور رئيسي في خدمة الأمن والسلم الدوليين يمد يده بالأخوة إلى الإخوة وبالصداقة إلى الأصدقاء.
واليوم تدخل بلادنا طورا حضاريا جديدا ليس اليوم بل أنها دخلته منذ فترة وهو طور الآفاق الجديدة والتغيرات الهامة رؤية 2030 التي تتيح التأمل والاستقراء فالتحولات السريعة التي حدثت والتي هي في الواقع ميلاد جديد لزمن أتى شهد الانطلاق والقوة والأمل الشجاع وشهد بناء مجد جديد ونهضة جبارة انتظمت البلاد وكانت إنجازا باهرا بكل المقاييس فالتنمية عند الملك سلمان -يحفظه الله- هي الإنسان به تبدأ وإليه تنتهي وتلك قصة يجب أن تسجل بإعجاب وتروى لكل الأجيال.
إن هنالك الكثير الذي يدفعنا إلى الوقوف على هذه الحقبة التاريخية الهامة التي يقودها الملك سلمان -أيده الله- والتي تعتبر نقلة في الزمن فقد لاحظ -حفظه الله- أننا نعيش في عالم متغير ولابد أن تختلف الوسائل لمواجهة التحدي الذي يفرضه هذا العالم المتغير.
ولذلك عندما تحرك الملك سلمان -حفظه الله- في كل الاتجاهات صنع أشكال الحياة ودارت عجلة الفعل لذلك فلابد للفكر أن يتحدث وأن يشير إلى هذا الحدث العملي.
ومن هنا جاء احتفاؤنا باليوم الوطني وبمؤسس المملكة العربية السعوية الحديثة الملك عبدالعزيز محاولين أن نستخلص من ذلك كله صورة المملكة العربية السعودية فقد كان التزام الملك سلمان -حفظه الله- بالإصلاح كأساس لكل الحياة العامة وتكريس هذا الالتزام في كل تحرك ومناسبة وموقف أمرا ليس سهلا بل هو مجهود جبار وتحرك كبير يحتاج إلى مؤلفات لتحليله وإبراز أثره الكبير. وسيظل التاريخ مدينا لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حين جعل من سمعة هذه البلاد الكريمة كتاباً أبيض مقروءا لكل منصف ومنشورا أمام كل عين.