يوسف المحيميد
ليس غريبًا ما يحدث، بل الغريب أن نكتشف متأخرين جدًا أنّ أمريكا لأمريكا، كما يقول محمود درويش، وأنها تُمارس كل الأفعال المشروعة وغير المشروعة لتحقيق مصالحها الاقتصادية والسياسية، حتى لو انتهكت المواثيق والقوانين، فكيف يعمل اقتصادها ما لم تدخل الحرب تلو الحرب، إما مباشرة أو بالوكالة؟ كيف تلتهم الاستثمارات داخلها، ما لم تنتهك القانون الدولي، وتسن قانونها الخاص؟ أليس نزع سيادة الدول، وانتهاك أراضيها وأموالها يتعارض مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة؟
فرغم التمثيل الهوليودي، بالتصويت على قرار جاستا، الذي يحاكم الدول بعد نزع السيادة عنها، ثم نقض القرار بحق الفيتو الرئاسي، ثم العودة للتصويت على القانون، إلا أنّ الأمور أصبحت مكشوفة تمامًا حتى للجاهل، أنّ ثمة رغبة علنية، بتوزيع الألقاب والتهم على الدول، ثم محاكمتها، وفرض تعويضات ضخمة عليها، وتنفيذ الحكم بانتهاك استثماراتها في أمريكا، والتهامها علنًا، فهي من يلعب بورقات السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، هي من يسن القانون، وهي من يحاكم بموجبه، وهي من ينفذه، وهي في النهاية من ينتهك ويلتهم صناديق الدول وحقوقها وأموالها!
إنّ نظرة سريعة فقط على إحدى كوارث القرن الحالي، تكشف لنا من موقع اليوتيوب شهادات الجنود الأمريكان العائدين من احتلال العراق، واعترافهم بقتل المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ، وبأرقام تفوق المليون نسمة، فمن سيعوّض أُسر هؤلاء العراقيين، ومن سيجبر الإرادة الأمريكية المتغطرسة بدفع التعويضات لهم؟ ومن سيجمد أموالها في الخارج، ويفرض عليها الحظر؟ على أمريكا أن تفكر بهؤلاء قبل أن تفكر بضحايا برجي التجارة العالمية.
هي أمريكا إذن، التي صرخ باسمها الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش، في ملحمة «مديح الظل العالي» بعد حصار بيروت عام 1982: «أمريكا وراء الباب، تهدي كل طفل لعبة للموت عنقودية»، ها هي لم تكتفِ بالأطفال، وبالشعوب، بل تهدي الحكومات أيضًا!