إعداد - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ«الجزيرة»
على مدى 40 عاما ماضية أحرز الاقتصاد السعودي انجازات كبيرة لم تكن متوقعة في الستينات أو السبعينات من القرن الماضي، حيث قفز مستوى الناتج المحلي الإجمالي من 165 مليار ريال عام 1975 إلى حوالي 441 مليار ريال عام 1990، ثم إلى 2423 مليار ريال في 2015.
هي طفرات متتالية تعادل صعودا بمعدل 1372 في المائة خلال فترة الـ 40 عاماً.. وقد جاءت هذه الطفرات في سياق ارتفاعات الإيرادات النفطية التي لم تكن تتجاوز 93 مليار ريال عام 1975، ثم قفزت إلى 246 مليار ريال في 1990، تلاها صعودا حتى حققت حوالي 2265 مليار ريال في عام 2015 ..
الحكومة استغلت هذه الإيرادات الهائلة لاحداث تنمية اقتصادية غير مسبوقة بالمملكة.. حتى تحولت البلاد من دولة نامية صغيرة إلى قطب اقتصادي يستحوذ حاليا على المرتبة الـ 15 تقريبا ضمن الاقتصاديات العشرين الأقوى بالعالم.
ولكن الذي يتفحص الأرقام جيدا، يكتشف أن الميزانية الفعلية بالمملكة عبر الأربعين عاما قد وزعت على شكلين، الأول هو المصروفات الجارية، والثاني المصروفات الرأسمالية.. والمدقق سيلحظ أن المصروفات الجارية قد احتلت مرتبة الصدارة بقيمة بلغت 9.9 تريليون ريال، بنسبة مساهمة 72.2 في المائة، مقابل مصروفات رأسمالية بلغت حوالي 3.8 تريليون ريال بنسبة مساهمة 27.8 في المائة .. أي أن غالبية الموازنة ذهبت في طريق انفاق تشغيلي، وهو النقطة التي تعالجها الأوامر الملكية والسياسات المعتمدة مؤخرا في سياق التحول الوطني ورؤية 2030.. من يستطيع القول بصحة هذا الطريق الذي تفاقمت فيه النفقات التشغيلية والجارية حتى تبلغ 9.9 تريليون ريال، ولنسأل عن مكونات هذه النفقات الجارية؟ سنجد غالبيتها تتمثل في بند الأجور والرواتب.
ويعتبر بند الأجور والرواتب والمكافآت هو البند غير المرن في كل الموازنات الحكومية، لأنه خلال العام المالي تستطيع أي حكومة تعديل أو تقليص أو حتى إلغاء أي بند تراه غير ضروريا، إلا الأجور والرواتب فإنه يصعب حتى تقليصها إلا بأوامر ملكية أو قوانين مسبقة.
آخر رقم معلن عن مخصصات الرواتب والأجور في موازنة عام 2015 وصل إلى 323 مليار ريال، بما يمثل حوالي 38 في المائة من إجمالي موازنة عام 2015 .. تتوزع هذه المخصصات على ثلاثة أشكال 74 في المائة رواتب وأجور رئيسية، وحوالي 25 في المائة بدلات ومزايا مالية و1 في المائة أجور عمال.. أي أن حجم البدلات والمزايا المالية تقدر بنحو 78 مليار ريال، وهي قيمة ضخمة وهائلة لكي تكون مزايا إضافية وليست رئيسية.
وفي الاعتقاد، أن موازنة عام 2016 كانت هي موازنة للقضاء على الهدر في نفقات القطاعات، حيث تم تذويب كثير من النفقات غير الضرورية داخل بعض القطاعات ذات الانفاق الكبير .. أما موازنة عام 2017 فستكون هي موزانة القضاء على الهدر في الأجور والرواتب والتي تشكل 38 في المائة من إجمالي الموازنة .. وتصب الأوامر الملكية في سياق تقليص العجز المحتمل في موازنة العام الجديد من خلال استبعاد كثير من بنود البدلات والمكافآت والمزايا الإضافية والتي كانت تعطى في فترات كان الفائض هو السائد في الموازنات.
ولعل هذا التقليص في هدر الأجور والرواتب سيقلص بطبيعة الحال المصروفات الجارية التي زادت الفترات السابقة بشكل غير مسبوق لا رلا يضاهيه في أي دولة أخرى.
ولنا أن نتصور أن إجمالي العاملين في القطاع الحكومي لا يتجاوز 1.2 مليون نسمة، ويستهلكون 323 مليار ريال، وهي قيمة مرتفعة خاصة أن هذا الهيكل يتضمن عمالا وفنيين ومهنيين لا تتجاوز رواتبهم حوالي 5000 ريال .. لذلك، فإن تقليص هذا الرقم يمكن أن يحسن من العجز النقدي المتوقع بالموازنة في ضوء استمرار تدني الأسعار العالمية للنفط.
ومن المعروف، أن كل موازنات الدول تمر بفترات ركود، وأحيانا فترات كساد، وخاصة بعد طول فترات الصعود والذي تحول لتضخم في بعض الأحيان.