د. هيا بنت عبدالرحمن السمهري
ليس لدي في هذا المقال إلا فسائل خضراء، تحتاج من المنصفين المرور عليها، وهي السنوات الملأى لأول كيان تربوي مشترك للتعاون الخليجي ممثلاً بمكتب التربية العربي لدول الخليج. ولقد تزامن الإتمام مع انعقاد المؤتمر العام الرابع والعشرين للمكتب خلال الأسبوع الماضي، وأبدأ ببطاقات شكر لمن تعهد النخل بالسقيا فكرًا وإنتاجًا حتى انعتاق السعف خلال تلك الأربعين سنة التي بلغ فيها المكتب أشده منذ ولادته، وحفز منارات التعليم في بلادنا وشقيقاتها الخليجيات، وأهداها الهبات ضمن إطار شراكة تأسيسي، بُنيت عليه مهام المكتب, وحفل بها تاريخه. فالمكتب كما ورد في وثائقه (هيئة عربية خليجية، تعمل في نطاق الدول الأعضاء لخدمة الأهداف التربوية والعلمية والثقافية والتوثيقية المحددة في النظام، وفي غيره من الأنظمة واللوائح الصادرة عن المؤتمر العام). وما فتئ المكتب عامًا بعد عام يقترب من حيازة منصات بيت الخبرة التربوي لدول المجلس حتى اعتلاها، فكان ذراعًا فنية داعمة، وأصبح حراك المكتب في كل صوره ينشد التحول القوي في التعليم «وأن العقل شيء ثمين جدًّا، لا ينبغي إضاعته». فالبرامج التربوية المنتجة في مكتب التربية متينة, وإسنادها قوي, ويمكن تأسيس الأنظمة التعليمية وفق معطياتها إذا ما أُعيد تشكيل نظم الدعم التعليمي في الدول الأعضاء. ولا نغفل عن اصطفاف المكتب مع المنتج التربوي العميق الذي يطل من نوافذ بعض الدول الأعضاء؛ ففي كل محطات الدعم التربوي تنطلق قطارات المكتب محملة بالاستشارات والإشارات، ومن ثم الاحتفاء بالحمول النفيسة، وتجهيز المنصات المحفزة لها. والأمثلة على ما ذكرت وافرة، لا يسعفني واقع المساحة في الجريدة لسردها، وهي في إصدارات المكتب الأربعينية، تتربع فاخرة. وقد يتقاصر المردود في بعض مواسم الحصاد؛ وذاك مرده إلى العقبات التي ما زالت تحيط بواقع التعليم في كل عناصره ومكوناته تخطيطًا وتنفيذًا. ومكتب التربية العربي حتمًا يعمل مع القوم في النطاقات ذاتها التي تأسست من قِبل الحكومات لإنتاج الكائن المعرفي الذي يأملون أن يؤسس للحضارة والتنمية. وينتهج القائمون على صناعة الفكر التربوي في المكتب إيقاعًا هادئًا عند ضخ برامجه للمستفيدين، وما يسبق ذلك من الإعداد لها وبنائها. وهذا من حوافز قبول البرامج وتفعيلها في ميادين التربية. وكم نحتاج لترشيد الجعجعة؛ حتى لا يلفنا الضجيج! ومن اللافت أيضًا، ومما شهدته في ميادين التعلم في بلادي، أن مكتب التربية لا يحاكم الميدان قبل نضوج تطبيق برامجه كما هو متبع «في ديارنا». وهذه خصيصة جديرة بالوقوف إشادة، والتأمل إعجابًا.. وإن منع منه الكيل في بعض أوقاته وما وجد من يتصدق عليه بالدعم لبرامجه، وحفزها ميدانيا في بعض أحواله؛ «لأننا في النائبات قليل».. وكلنا نتذكر الانطلاقة القافزة لمشروع الرياضيات والعلوم الطبيعية التي كان لمكتب التربية زمامها؛ فهناك تمت دراسة الممارسات العالمية في مجال العلوم والرياضيات؛ إذ كان المكتب مؤسسًا وضابط جودة واستشاريًّا وشريكًا مؤتمنًا. ويؤكد القائمون على الحراك التربوي في المكتب أهمية الدمج والمزج بين المعرفة والاتساق الاجتماعي؛ مما يحتم صيغًا جديدة من التعلم. وهذا ما تضمنته الخطة الاستراتيجية للمكتب في مراحلها القادمة. ولأنني أسوق نظرة عجلى داخلية، لكنها في محيط واسع، يشمل أدوار المكتب بتفاصيل حاضرها وحضورها, فلا بد لي أن أشعل سراجي، وأعلو سطح «جرير»؛ لأشهد المزيد من امتناح الواردين من الفكر التربوي العميق في ذلك الصرح..
وفَّق الله المخلصين للتعليم والتربية.