حمّاد السالمي
* كيف لا تكون هذه الروح الخلاقة لمؤسس الكيان، ومعلي البنيان؛ حاضرة في كل يوم وطني نعيشه قولًا وعملًا وفرحًا؛ على كل شبر من التراب الوطني الطاهر..؟
* كيف لا؛ وعبد العزيز آل سعود؛ هو الذي خاض المعركة تلو المعركة، وذرع أرض الجزيرة العربية شبرًا شبرًا، حتى دانت له وديانها، وخضعت له جبالها، وخنعت له جباه كثيرة ما كانت لتسلم لغيره، وهي المتناحرة المتحاربة فيما بينها، المتسلطة على رقاب الناس..؟
* لم يكد صقر الجزيرة ينهي مهمته في جمع شتات الفرقاء والخصوم؛ من الجنوب والشرق والشمال والغرب والوسط في دولة واحدة مهابة؛ ويصبح (ملك الحجاز وسلطان نجد وملحقاتها)؛ ثم بعد ذلك: (ملك الحجاز ونجد وملحقاتها)؛ حتى جاءته مطالب مواطنيه من كل مكان، باستكمال المهمة، وتوحيد أجزاء المملكة في كيان واحد باسم: (المملكة العربية السعودية). كان هذا في الربع الأخير من عام 1932م، وتلقى رحمه الله هذه البرقية وهو في الرياض، فبعث ببرقية موافقة على الطلب الذي وصل إلى إمارة الطائف، وكان أول احتفال باليوم الوطني في 1 الميزان الموافق 23 سبتمبر من عام 1932م. احتفلت الطائف بهذه المناسبة في مقر إمارة الطائف، كما احتفلت مكة في مقر نائب الملك على الحجاز، واحتفلت بقية المناطق بالمناسبة البهيجة التي ظلت تدخل السرور على السعوديين إلى اليوم. إن فكرة توحيد المملكة بهذا المسمى الجديد؛ كانت حاضرة في ذهنية الملك عبد العزيز رحمه الله قبلًا. وكانت تدور بين مستشاريه وأعضاء مجلس الشورى بكل تأكيد، حتى أتى طلب التغيير شعبيًا بعد ذلك من خلال برقيات مواطنين ووجهاء من مكة والمدينة وجدة والطائف.
* إن مناسبة وطنية كبيرة وعظيمة كهذه، هي فرصة سانحة لاستحضار روح الموحد والمؤسس، الذي كان السبب فيها منذ اليوم الأول الذي فتح فيه مدينة الرياض من عام 1319هـ، إلى اليوم الخالد الذي طهّر فيه كافة المناطق من الجبابرة والمنافقين والخوارج، حتى اليوم الأخير الذي لاقى فيه ربه، بعد أن سلم الراية لأبنائه البررة من بعده.
* هذه هي الروح الوطنية الفذة للقائد الشجاع، الذي ناضل وضحى، فوحّد وأسّس. هي التي قدمت الكثير من الدروس المفيدة، وأعطت الكثير من المُثل والقيم التي بدورها صانت وحدة البلاد، وحمت أمن العباد، طيلة عقود طويلة. إنها روح (الملك عبد العزيز).. الروح الإيمانية، والإدارية، والقيادية، والأخلاقية، والإنسانية، والنهضوية.
* عبد العزيز.. الزعيم النهضوي، سارع منذ البدء إلى التحديث والتطوير، فاستعان بمستشارين كبار من أقطار عربية عدة. كان في قمة الشجاعة وهو يقود التحديث الكبير في مجتمع مغلق مغلف بكثير من الأفكار التوجستية من الآخر، والمرتابة من كل جديد. هنا تجلت روحه في النهوض ببلاده، والتقدم بشعبه إلى مصاف الشعوب المتحضرة.كان يقول مخاطبًا مواطنيه: (يجب أن تحرصوا على العمل. والعمل لا يكون إلا بالتساند والتعاضد).
* عبد العزيز.. القائد المنتصر، الذي لم ينتقم من خصومه بعد أن مكنه الله منهم، وفي ذات الوقت؛ لم يستسلم للمتطرفين الخوارج، فواجههم ببسالة، وأنهاهم في معركة السبلة إلى الأبد. وهو القائل: (لا يُسأل أحد عن مذهبه أو عقيدته، ولكن لا يصح أن يتظاهر أحد بما يخالف إجماع المسلمين، أو يثير فتنة عمياء).
* عبد العزيز.. الحاكم العادل، الذي أرسى قواعد الأمن بعد مخاوف ومظالم أصبحت من الماضي الذي لن يعود. هو القائل: (التباعد بين الراعي والرعية؛ يدع مجالاً للنفعيين، فيجعلون الحق باطلاً، ويصورون الباطل حقاً). والقائل: (الناس أحرار في مآكلهم، ومشاربهم، ومرازقهم، ونزههم، ومن اُعتدي عليه فليراجعني لأنصفه). والقائل: (كلكم يذكر أنني يوم خرجت عليكم كنتم فرقًا وأحزابًا يقتل بعضكم بعضًا, وينهب بعضكم بعضًا، وجميع من ولاه الله أمركم من عربي أو أجنبي, كانوا يدسون لكم الدسائس لتفريق كلمتكم، وإضعاف قوتكم لذهاب أمركم, أما اليوم؛ فإن الأمن سائد في طول البلاد وعرضها. قد لمستموه بأيديكم، وشاهدتموه بأعينكم, وهذا من فضل ربيعلينا). والقائل: (أريد الصراحة في القول، لأن ثلاثة أكرههم ولا أقبلهم: رجل كذاب؛ يكذب علي عن عمد، ورجل ذو هوى، ورجل متملق. فهؤلاء أبغض الناس عندي).
* في سيرة الملك عبد العزيز رحمه الله؛ مواقف كثيرة لا تنسى أبدًا. بل هي من الدروس التي ينبغي أن تعطى للأجيال من بعده. انظروا معي هذا الموقف الوطني السياسي معًا: بعد معركة العرب الأولى مع الصهاينة في فلسطين سنة 1948م؛ أوفد رئيس الجمهورية السورية شكري القوتلي إلى الملك عبدالعزيز؛ مندوباً عنه، هو أمين سره، محسن البرازي. فقابل الملك في الرياض، وأخبره أن شكري بك يرى للحد من مساعدة الأمريكيين لإسرائيل، أن يُقطع البترول عن أمريكا. فانتفض الملك عبدالعزيز، وقال: (يا الله..! البترول منحة من الله..! كانت أمي حين تدعو لي تقول: اللهم ملكه ما فوق الأرض وما تحتها..! وهل تحتها إلا البترول..؟! قل لشكري: لا تعلّم عبدالعزيز الوطنية..! نضالُنا في القضية ونحن أغنياء؛ خير لها من نضالنا ونحن فقراء).
* وفي مناسبة أخرى قال طيب الله ثراه: (إنني لا أخشى من الأجانب قدر ما أخشى من بعض المسلمين، فالأجانب أمرهم معروف، وفي الاستطاعة الحذر منهم، وفي الامكان الاستعداد لصد هجماتهم، وإحباط دسائسهم. وأضيف إلى ذلك: أنهم لا يقدرون على محاربتنا باسم الاسلام. أما بعض المسلمين؛ فهم ما زالوا يكيدون لنا باسم الاسلام والمسلمين، ويحاربون إخوانهم المسلمين باسم الاسلام منذ العصور).
* يا الله..! لكأن الملك عبد العزيز يعيش بيننا اليوم، فيرى ما يدور بين المسلمين من اقتتال وتحارب باسم الاسلام والمسلمين..!
* اللهم ارحم المؤسس، ووفق القادة من أبنائه، واحم بلادنا، وانصرنا على كل من كاد لنا وعادانا.