د. محمد عبدالله العوين
تصايحت أصوات نافرة تئن وتتأفف عبر وسائط التواصل الاجتماعي بعد صدور قرارات مجلس الوزراء يوم الاثنين الماضي القاضية بضبط الإنفاق الحكومي وترشيد الصرف؛ استجابة لضغوط الحرب التي تخوضها بلادنا في الحد الجنوبي منذ ما يقرب من سنتين، والفوضى التي تعيشها سوريا بتداعياتها على بلادنا وعلى البلدان العربية كافة، والانخفاض الكبير في أسعار البترول؛ كل ذلك فرض حالة ضاغطة على اقتصادنا الوطني بما تستدعيه المواجهة الشاملة في الشمال والجنوب من إنفاق مالي هائل وكبير ومستمر لعامين تقريبا.
ليس هذا فحسب؛ بل إن بلادنا تستنفر طاقاتها الأمنية منذ ستة عشر عاما لمواجهة الخلايا المتطرفة واجتثاث وتجفيف بؤرها في الداخل، والتعاون مع دول عربية وعالمية لتبادل المعلومات لمحاربة الإرهاب، وقد حققت الأجهزة الأمنية في هذا المجال سبقا متفردا وأنقذت دولا عديدة من هجمات محتملة بتقديم معلومات مؤكدة عن شبكات إرهابية في مناطق مختلفة من العالم.
في وضع أمني وعسكري واقتصادي كهذا يصدر مجلس الوزراء قرارات تضبط الإنفاق وتتماشى مع ما يتطلبه المجهود الحربي من سيولة؛ ولكن هذا النفر القليل المتضجر الذي تعالت صيحاته المتأففة عبر الهاشتاقات التي انتظر المتربصون وأصحاب الأجندات والولاءات السياسية والطائفية الخارجية قرارات كهذه ليطيروا وراءها مؤججبن مؤلبين محرضين مشككين في مقدرتنا على الخروج من هذه الأزمة، ومبشرين بأيام قاتمة كالحة السواد؛ ليثيروا الرعب في المواطنين من القلق على مستقبلهم المعيشي والوظيفي؛ لا، بل ليخلقوا أوهاما من المخاوف على المملكة كدولة ونظام ووطن لا تتكئ على حقائق ولا تنطلق من تصورات سياسية واعية؛ بل تعتمد على خلط المعلومات وابتسارها وعلى التشويش وخلق حالة ضبابية معتمة من عدم الاطمئنان للمستقبل.
هذا النفر المتصايح المتضجر المتأفف ينتمي إلى فئتين؛ الأولى لا دوافع سيئة لديها من تصايحها وخوفها وتضجرها؛ بل هو قلق مشروع لغياب المعلومة الصحيحة عن الوضع الاقتصادي الناتج عن الحرب وانخفاض سعر البترول، وتجهل هذه الفئة أنه وضع « مؤقت « وليس دائما، فلا حرب تستمر سنوات، ولا نزول للبترول يستمر سنوات أيضا، ولا أزمة مرت ببلادنا ولم تنقشع وتنتهي بسلام وانتصار على مدى تاريخ الدولة السعودية الحديثة، فكم مرت ببلادنا من حالات ركود اقتصادي بسبب انخفاض أسعار البترول؛ إما نتيجة حرب كما في حرب الخليج الأولى أو الثانية، أو بسبب مواجهة الدولة لخطر جسيم متوقع فتدفع شره بالمواجهة التي لا تحتمل خيارا آخر وتنفق على تلك المواجهة بسخاء إلى أن يتحقق الانتصار ودفع الشر؛ كما كان الأمر في صد المد الفارسي الخميني ومفهوم تصدير الثورة بغزو العراق بعد ثورة الخميني المشؤومة عام 1979م، أو إبان الحرب الأهلية في لبنان، والآن المواجهة التي لا خيار لنا فيها غير الإقدام لصد الزحف الفارسي إلى الجزيرة العربية عن طريق الحوثي العميل الطائفي وعفاش الخائن.
إن بلادنا في حالة الحرب هذه لو دعت أبناءها للتطوع بأنفسهم؛ لما تضعضعت النسبة الكبرى من المواطنين عن تلبية نداء قيادة البلاد؛ للذود عن الحرمين الشريفين، وعن الأرض والعرض؛ فما بال هذا النفر القليل المتصايح يتضجر مما فرضته الظروف المؤقتة الضاغطة ويستجيب للفئة الثانية التي تستغل حالة كهذه لبث الفرقة والشحناء وتفريق الصف وزعزعة الثقة بين قيادة البلاد ومواطنيها؟!
ألا يعلم المتضجرون من الفئة الأولى أن ما صدر من قرارات لا تأخذ صفة « الديمومة « وإنما هي استجابة لوضع « مؤقت « ومثلما عاش الوطن في رخاء فلا بد أن تعترضه كغيره من البلدان ضراء لا تدوم بإذن الله.
كان يخصم من رواتب المصريين إبان المواجهة مع اليهود زمن عبد الناصر والسادات ما يسمونه « دعم المجهود الحربي « فما كانوا يتضجرون؛ بل تطوع كثيرون منهم للقتال مع الجيش.
ولا يمكن أن ينسى أحد في العالم كله كيف أن الشعب السعودي النبيل بمشاعره الدينية الفياضة وإنسانيته النبيلة يندفع للبذل ومد يد العون بالمال والذهب والأثاث لدعم ومساعدة المحتاجين ممن مستهم بأساء بكارثة زلزال أو فيضان أو حروب؛ وقد نقل التلفزيون السعودي على الهواء استجابة مئات الآلاف من أبناء الشعب النبيل لدعوات القيادة للتبرع واستمرت تلك الحملات أياما؛ كما كان الأمر قديما لفلسلطين أو للجزائر، وحديثا بعد أن اجتاح تسونامي كثيرا من بلدان الشرق الأقصى كأندونيسيا.
أليس وطننا أولى بالسخاء والبذل؟!
أما الفئة الثانية؛ فهي المتربصة المنتظرة ذات الولاءات والأجندات، وموقفها المؤجج المحرض لا يحتاج إلى تحليل.