سعد بن عبدالقادر القويعي
أثمن ما في الوجود هو الوطن؛ كونه رمزاً لكل ما مضى، نرى فيه حاضرنا، ونستطيع أن نطِلّ به على مستقبلِنا؛ باعتباره مهد الصبى، ومدرج الخطى، ومرتع الطفولة، ومأوى الكهولة، ومنبع الذكرى، ونبراس الحياة، وموطن الآباء، والأجداد، وملاذ الأبناء، والأحفاد؛ فحبه - حينئذ - مرتبط بنبض القلب في الجسد، والروح، ومرتبط بالوفاء له، وتقديم كل غالٍ، ونفيس؛ لأجل الحفاظ عليه.
عشقتك في الوطنية، وعشتك في الهوية؛ لأنني أستمد منك أركان انتمائي، وأجزاء كياني الإنساني بعد أن ترجمته في إرادتي، وعزيمتي إلى حب علني، وعملي بمرساته الخفية الراسخة، التي تربط سفين عواطفنا بمراسي أرض الوطن؛ لأنّ حب الوطن ليس مجرد شعور إنساني يقتصر على القلب، إنما هو متجسِّد في السلوك البشري، وهو بالتأكيد أغلى من حب النفس عندما تحبه القلوب، وتهواه الأفئدة، وتتحرك لذكره المشاعر.
لئن خصه الله بقبلة المسلمين في مشارق الأرض، ومغاربها، وبمهبط الوحي، وبمسرى نبي الهدى، فإنّ الانتساب إليه غاية، والانتماء إليه شرف. وحق على كل إنسان محب لهذا الوطن، أن يتعبّد الله بمساندة ولائه، والتكاتف مع ولاة أمره، وهيئة كبار علمائه، وأهله، ومواطنيه؛ فله في قلب التاريخ رسالة مكتوبة يصغي لها الأحياء؛ لأنه قام على الإسلام، ويُحكَم فيه بالإسلام، وأنظار الملايين من المسلمين تتَّجه نحو دِين، وتديُّنِ هذا الوطن، والواقع يُؤكِّد هذا كلَّه؛ فالبلاد الآمنة يُرحَل إليها، وتزدهر معيشتها، وتهنأ النُّفوس بالمكث فيها.
هو أقرب الأماكن إلى قلبي، والأرضُ التي ليس لها بديل، ففيه ترعرعت فوق ترابه، وارتويت، وتنفست من هوائه، وتدثرت بسمائه، وذقت حلاوة الحياة. وكل من لا يملك انتماءً للأرض التي تربى عليها، فإنه لا يملك الحق في الأمن، والسكينة، والحرية، والوفاء، والتضحية، والفداء؛ فالإنسان بلا وطن، وبلا هوية، وبلا ماضٍ، أو مستقبل، هو نسخة مكروهة، تعيش خارج إطار الزمن في ترجمته الحرفية؛ لتزييف الواقع، وإنكار الجميل، وتعمّد التشويه في العقل، والفطرة، إذ لا يشذ عنه إلا من كان منحرف الفطرة، ولا يزيغ عن محجته الناصعة إلا من هو عديم الضمير النقي؛ لأنه يخفي وراء ذلك نفساً شريرة، وإرادة ضعيفة، وأهدافاً شخصية، ومطامع مادية زائلة.