د.عبدالله الغذامي
من الشائع في الثقافة العربية أن تتردد كتابات تدفع بنفسها إلى نوع من المناكفة ضد النظريات النقدية، وتتسم هذه المناكفة بنزعة سلبية تأخذ مسارين، أحدهما القول إن الباحث المنقود لا يحسن فهم النظرية المطروحة، وأن تصوره لها خاطئ، والثاني هو الشروع بالقول بتحديد مقاصد النظرية وحصرها بفهم محدد.
وتمضي الكتابة على هذا المنوال، وهو منوال يشيع كثيرا في وسطنا الأكاديمي، وعيب هذا التوجه هو أنه لا يقدم تطبيقا يكشف جوانب الدعوى المطروحة، على أن أي نقاش عن أي نظرية لن يتحقق له أي مفعول معرفي ما لم يدخل بممارسة عملية في التطبيق التحليلي ذاته، والشائع بين أصحاب هذا التوجه النقدي السالب أنهم لا يعطون أية نماذج من صنعهم وتكون مبنية على النظرية التي يتصدون لنقد تطبيقاتها، إضافة إلى أن سلبية هذا الخطاب تتجلى في التصور بأن النظرية، أي نظرية، هي ذات معنى محدد وحصري ويتبعه تصور مصاحب في أن أي متعامل مع نظرية من النظريات يلزمه أن يتابعها كما هي في مصدرها وليس يصح له أن يطور أو يحسن أو يوجه مسار النظرية لتتسق مع مراد الباحث، وهذان تصوران خاطئان ولن تجد باحثا جادا يرضى بأن يكون مجرد مرآة لمن سبقه، وكل نظرية تتأسس عند شخص ما تمر عليها تحولات لا تحصى عند كل من يتعامل معها، ولهذا لن يصح منهجيا إن نتصور التطابق ولو حدث التطابق فسيكون تقليدا أعمى وليس حيوية علمية، ولن يتكرر ديريدا مثلا عند أي باحث يعتمده، وستتحول مقولات ديريدا بالضرورة إلى مادة قابلة للتحويل والتوجيه حسب مهارة المتناول لها، وهكذا فعل كل من بارت وديمان مع نظريات ديريدا حيث تحولت عند كل واحد منهما إلى مسارات لم تكن في وارد صاحبها الأول، ولو بقيت عند مراد صاحبها لتجمدت وانتهت في الفريزر العلمي للحفظ وليس للطبخ.