علي الخزيم
لم تدهشني تلك الكثافة العددية ممن توافدوا إلى حفل توديع البروفيسور (عبدالإله الطويرقي) المدير العام التنفيذي لمستشفى الملك خالد التخصصي للعيون بالرياض بمناسبة تركه العمل بالمستشفى مقدماً استقالته برغبته إلى معالي وزير الصحة، بعد عقد من الزمن شهد إنجازات جليلة وأعمالاً يشار لها بالبنان ويتحدث عنها المتخصصون في مراكز عالمية تهتم بطب العيون، كما لم أستغرب ذلكم الحضور البارز من كبار الأساتذة والأطباء من مراكز دولية مرموقة تحمُلوا مصاعب الترحال والسفر للقدوم للمملكة للمشاركة بتوديع رجل يشهدون له بعلو شأنه وارتفاع قامته في مجالات طب وجراحة العيون؛ وما له من أبحاث ودراسات لا زالت تُدَرّس في الكليات المتخصصة وتستفيد منها مراكز علمية بحثية متخصصة، وما تَسَابُق الشخصيات الهامة والقامات المتخصصة في ذاك المحفل لتقديم الشكر للدكتور الطويرقي وتوديعه؛ إلا وسام شرف وشهادة تفوق وتقدير، وعرفاناً بتألقه التخصصي وإبداعه الفكري.
وكنت سعيداً ذاك الصباح وأنا أحث الخطى للوصول لقاعة الاحتفاء بالطبيب السعودي الجهبذ الكبير، وأبهجني التفاف زملائه من الموظفين وأطباء من الداخل والخارج إلى جانب عدد من كبار المسؤولين حوله مُذَكّرين عبر كلمات وداعية بما للمُحْتَفى به من جليل الأعمال والإنجازات، ومما يسر الخاطر هو أن هذا الحضور ينبع من شعور صادق بالمودة والوفاء، وتقدير واضح لعقلية فذة أثبتت جدارتها على مستوى المنطقة والعالم، فالدكتور الطويرقي بحق نموذج للمواطن والعالم الناجح المخلص لعمله ووطنه، ويعرف هذ من منطلقات الجمع الغفير ممن حضروا لتكريمه ووداعه، لا يمكن أن يكون كل هؤلاء في المكان الخطأ ولا ممن يُظْهِرون ما لا يبطنون، هم صادقون بمشاعرهم كما كان الطويرقي المُكرم ذاك الصباح صادقاً أميناً في مهنته متفانياً بعمله وعلمه.
ومن المؤلم أن يبرز لك من يصف هذا الاحتفاء بالرجل العالم بأنه ضرب من المجاملات المعتادة، ولمراسم الوداع الظاهري دون مشاعر صادقة تربط قلوب أطراف الاحتفالية، لكن ما يشْفي الغليل أن مثل هؤلاء قلة واستثناء وليسوا هم القاعدة التي يُعتد برأيها، وكما يقال فالناس أعداء ما جهلوا.
كم أتمنى لو أن قرارات تصدر لتشجيع الكوادر والنماذج الشابة الوطنية في كل مجال، وإبرازها وتحفيزها لتقديم الأفضل ولتكون قدوة ونبراساً للآخرين، والتعريف بكل من يبرز كمبدع ومبتكر في تخصصه ومجاله، ليتعرف عليه القوم أولاً؛ ثم لا يكون للمشككين فرصة لاتهام الآخرين بالمجاملة والنفاق الاجتماعي، وبالتالي فتقديم وإظهار هؤلاء النجوم الوطنيين الحقيقيين يعتبر من واجباتنا نحوهم ومن أبسط حقوقهم علينا، فلماذا المراء والجدل والتحليل كلما برز نموذج وطني مخلص يشيد به العارفون والمسؤولون، ويكرمه المجتمع المحيط به؟
من أولئك المشككون وعديمو الوفاء للهمم والطاقات الوطنية من تجدهم يُغَرّدون ويُدَوّنون مُشِيْدين ومبرزين لوجوه وأسماء أجنبية بعيدة عنا لتميزها في مجال ما أو فن من الفنون، بينما ابنهم وأخيهم ومواطنهم لا يجد منهم سوى التقليل وهضم الحق، والإغضاء عن إبداعاته ومنجزاته وهي بالتالي تصب لصالحهم في المقام الأول.