إبراهيم بن سعد الماجد
يبدأ صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز الخميس 29 سبتمبر 2016 زيارة رسمية للجمهورية التركية وتكتسب هذه الزيارة أهمية خاصة لدى الجانبين، بل ولدى المنطقة بشكل عام، نظراً للظروف المحيطة الغاية في الخطورة والتعقيد.
ولعلنا نلقي مزيدا من الضوء على العلاقات السعودية التركية والشراكات التي قامت بين الجانبين طوال العقود الماضية والتطورات الإيجابية خلال السنوات الماضية.
تأتي الزيارة الأبرز في تاريخ تلك العلاقة التي وصفت حينها بالتاريخية وهي الأكبر في تاريخ العلاقات بين البلدين تلك التي قام بها الملك عبد الله بن عبد العزيز -يرحمه الله- إلى تركيا في الرابع عشر من رجب 1415هـ الموافق الثامن من اغسطس 2006م والتي كان من ثمارها التوقيع على ست اتفاقيات ثنائية بين البلدين. وقد أحدثت تلك الزيارة تغيراً جوهرياً في العلاقة من حيث الأهداف والدلالات إذ ساهمت تلك الزيارة في إعطاء قوة دفع أكبر نحو تأسيس شراكة إستراتيجية بين البلدين إذ تعتبر هي الزيارة الأولى لملك سعودي منذ أربعين عاماً مضت حيث اعتبرت المملكة العربية السعودية تلك الزيارة بأنها (ستفتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين) واعتبرتها تركيا بأنها (تاريخية وستمثل نقطة تحول في العلاقات بين البلدين).
وهي بالفعل كذلك اذ شهدت توقيع ست اتفاقيات ثنائية في كافة جوانب التعاون السياسي والاقتصادي والعسكرى والثقافي مما فتح آفاقاً واسعة أمام القطاعين الحكومي والخاص للاستثمار والتعاون وعقد الشراكات الاقتصادية الكبرى التي عملت على توثيق الصلات وتقوية الروابط بين الشعبين، وقد أدى ذلك الواقع العملي في التعاون بين البلدين في كل تلك الجوانب الحيوية إلى تشابك المصالح على كافة المستويات الدنيا المتمثلة في شبكة رجال الأعمال والشركات والقطاع الخاص ومن ثم على المستويات العليا المتمثلة في رعاية الدولتين لهذه المصالح وتسهيل سبل الاتصال واللقاءات وعقد المؤتمرات.
لا شك أن ذلك التزايد في الأنشطة الاقتصادية قد مهد لوجود تقارب إستراتيجي على المستويين السياسي والاقتصادي بين البلدين، كما أسهم ذلك التقارب في تطوير الشراكة لتصبح أكثر إستراتيجية بمفهومها الواسع المتمثل في التعاون على كافة الجوانب السياسية والعسكرية والاقتصادية والثقافية.
وكانت النقلة النوعية الأكبر في تاريخ العلاقات بين البلدين بوصول الملك سلمان بن عبد العزيز الى الحكم فعمل على تطوير تلك العلاقات إلى آفاق وصفها المراقبون بأنها الأوسع في تاريخ المنطقة وخاصة إن أكثر ما كان يبعث على التفاؤل في تحسن العلاقات التركية -السعودية، أن الملك سلمان بن عبد العزيز، هو من تولى ملف العلاقة مع أنقرة حين كان وليا للعهد ووزيراً للدفاع، ولعل زيارته الشهيرة إلى أنقرة في مايو من العام 2013 هي من أسست القاعدة الصلبة للعلاقات بين البلدين، إذ وقع آنذاك اتفاقية للتعاون الصناعي -الدفاعي بين البلدين، مما أسهم في تشكيل تطابق في الرؤى الإستراتيجية خاصة فيما يتعلق بأمن واستقرار المنطقة والحرب على الإرهاب وهما الهاجس الأكبر الذي يؤرق قيادة البلدين. كما شكلت الأحداث الإقليمية والتحولات في المنطقة العربية وخصوصاً في اليمن وسوريا وليبيا دافعاً كبيراً في التقارب بين البلدين.
ففي المجال السياسي تتسم مواقف البلدين بالتنسيق والتشاور وتبادل الآراء فيما يخص القضايا ذات الاهتمام المشترك، وأولى البلدان بوصفهما جزءًا لا يتجزأ من الأمة الإسلامية، قضايا الأمة جل اهتمامهما، من منطلق إيمانهما بعدالة هذه القضايا وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، كما يمتلك البلدان دورًا فاعلاً في منظمة التعاون الإسلامي.
وعلى صعيد التعاون العسكري شهدت العلاقات نقلة نوعية وتعاونًا متناميًا، فقد وقَّعت شركة «أسيلسان» التركية للصناعات العسكرية الإلكترونية، والشّركة السّعودية للتّنمية والاستثمار التّقني الحكومية «تقنية»، اتفاقًا لتأسيس شركة مشتركة للصناعات الدفاعية الإلكترونية المتطورة في المملكة العربية السعودية.
وتهدف الشركتان من خلال مساهمة قدرها 50% لكل منهما، لتأسيس شركة للصناعات الدفاعية الإلكترونية المتطورة في المملكة، لصناعة وتصميم وتطوير الرادارات، ومعدات الحرب الإلكترونية، والرؤية البصرية، وسد احتياجات المملكة والمنطقة من هذه المعدات.
كما شاركت تركيا في مناورات «رعد الشمال»، التي أجريت شمالي السعودية خلال الفترة من 27 فبراير ولغاية 11 مارس الماضيين، بمشاركة قواتٍ من 20 دولة، إضافةً إلى قوات درع الجزيرة، التي وُصفت بأنها من أكبر التمارين العسكرية بالعالم.
وقد انعكس ذلك التقارب بين الرؤى الإقليمية والسلوك الخارجي للمملكة وتركيا، إيجابيًا على العلاقات الثنائية بين البلدين على المستوى الاقتصادي والتجاري.
فقد نجح المستثمرون السعوديون في الحصول على مكانة متميزة في الاقتصاد التركي، بينما استفاد المستثمرون الأتراك من مشروعات البنى التحتية الكبرى، التي يجرى العمل على تنفيذها في المملكة، وكان أبرزها مشروع تجديد وتشغيل مطار الأمير محمد بن عبد العزيز، بالمدينة المنورة، بالشراكة مع شركة سعودية.
وشهدت الفترة القريبة الماضية توجه أعداد من السعوديين بصفة خاصة لشراء العقارات في تركيا، فيما يزور المملكة سنويًا مئات الآلاف من الأتراك بغرض الحج أو العمرة، إضافة إلى العاملين الأتراك في مختلف القطاعات بالسعودية، والذين بلغ عددهم أكثر من 100 ألف مهني وإداري في القطاع الخاص.
هذا وقد زاد حجم التبادل التجاري بين الدولتين عدة مرات خلال السنوات العشر الأخيرة الذي ارتفع من 5 مليارات ريال إلى 22 مليار ريال في العام 2014، أي ما يعادل 5 مليارات دولار.
ووفقاً لتقارير رسمية صادرة عن وزارة التجارة والصناعة السعودية، فقد بلغ عدد المشاريع المشتركة بين البلدين حوالي 159 مشروعًا، منها 41 مشروعًا صناعيًا، 118 مشروعًا في مجالات غير صناعية تختلف باختلاف نشاطاتها، وبرأسمال مستثمر يبلغ مئات الملايين من الريالات.
ويعمل مجلس أعمال سعودي تركي، يضم رجال أعمال من البلدين، على دعم وتنشيط وتشجيع العلاقات التجارية بين البلدين.
ويرى باحثون اقتصاديون ومحللون أن أوجه التعاون بين السعودية وتركيا أكبر بكثير مما هو موجود الآن، نظراً لما تتمتعان به من آفاق واسعة للتبادل التجاري، في الساحة الاقتصادية الدولية، حيث يمكن للمملكة أن تمثل شريكاً اقتصادياً قوياً ومضموناً لتركيا في ظل التقارب بين البلدين، والعلاقات المتميزة التي تصاعدت في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، والرئيس أردوغان الذي يسعى لتعزيز علاقات بلاده مع المحيط الإقليمي والدولي.
وتأتي زيارة سمو ولي العهد الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز لمزيد من تعزيز التعاون بين البلدين، فقد أوضح كبير مستشاري وكالة دعم وتشجيع الاستثمارات برئاسة الوزراء التركية، د. مصطفى كوكصو، أن زيارة الأمير محمد بن نايف (ولي العهد، نائب رئيس مجلس الوزراء، وزير الداخلية)، لتركيا تكتسب أهمية خاصة، لكونها «ترسخ الشراكة السعودية- التركية الشاملة، اقتصاديًّا، وأمنيًّا، وتدفع عجلة التنمية بين البلدين الشقيقين».
وقال، إن الزيارة تؤكد وقوف المملكة حكومة وشعبًا مع نظيرتها التركية ضد كل أشكال الإرهاب الدولي الذي عانت منه المنطقة وتدعم موقف الحكومة التركية بعد الانقلاب الفاشل.
وأوضح «كوكصو» أنه من المتوقع أن تشهد الزيارة توقيع سلسلة من اتفاقيات التعاون المهمة بين الجانبين بهدف تعميق التعاون بين البلدين في مختلف المجالات.
وبيّن أن الجانب التركي يولي اهتمامًا بالغًا لهذه الزيارة، فقام بالترتيبات بكل جهد ودقة. مشيرًا إلى أن المملكة ورجال الأعمال السعوديون من أكبر الشركاء التجاريين لتركيا في المنطقة.
وكشف كوكصو عن ترتيب لقاء لكبرى الشركات التركية مع الأمير محمد بن نايف ولي العهد، لدراسة فرص مشاركة هذه الشركات في السوق السعودية.
وقال: قمنا بالترتيب للقاء كبرى الشركات التركية مع الأمير محمد بن نايف للاستثمار في السوق السعودية التي تمثل مركزًا للخليج وشمال إفريقيا.
وقال: نحن في وكالة دعم وتشجيع الاستثمار، رغم أن عملنا يتركز على جذب الاستثمارات من الخارج إلى الداخل، فإننا مع السعودية خصوصًا نعمل مع الجانبين.
ووفقًا لـ«كوكصو»، فإن عدد الشركات السعودية المستثمرة في تركيا يصل إلى أكثر من 700 شركة، بإجمال استثمارات تصل إلى أكثر من ملياري دولار، مؤكدًا أن جميع الاستثمارات الأجنبية في تركيا محمية بموجب اتفاقيات لا يمكن تجاوزها.