د. خيرية السقاف
حين تحزُب الأمور بالمؤمن, وفي القدوة خير مثال رسولنا الصادق الأمين نبي الله, خاتم الرسل والأنبياء محمد بن عبد الله عليه الصلاة, والسلام, كان يعد العدّة, ويقيم الخطط, ويتفاوض في الأمر, ويأخذ برشيد الرأي, لكنه كان يتخذ من الصلاة ملاذاً, وسبيلاً لنصرة الله تعالى.
ففي الخوف يصلي, وفي العزم لأمر يصلي, وفي الهزيمة يصلي, وعند النصرة يصلي, تماماً كما عند شح المطر يصلي, وعند تبدُّل مسار الكواكب في السماء يصلي,.. و.. و
لأنّ الصلاة تقرِّب إلى الله, واعتراف بقدرته, وثقة في أنّ الأمر بيده، ولأنّ الدعاء وسيلة هداه الله تعالى إليها. وقد قال وقوله حقٌّ {فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ } 186 البقرة.
كذلك فعل الأنبياء من قبله, دعوا الله حين الضرِّ, والمرض, والخطأ, فكشف ضرّهم, لفظ من في الحوت, وعفا عن مخطئ, وفدى من صدق بذبح عظيم,...
ثم هو تعالى أُنزل الغيث على المضطر, وشُفي المريض عند الضر, وطُهِّر القاتل حين اللجوء إليه, وهُدي الضال المستتيب بالدعاء, ونُصر المظلوم على حق, وخرج كل أمر بتوفيق الله تعالى لمن لجأ إليه, ولمن علم أنه مدبِّر الأمر, وهو الذي كان {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ} 40 التوبة.
فلو اجتمع من في السماء, والأرض على أن يضروا أحداً ما ضروه والله معه, إلا ما شاء الله لحكمته..
فحتى القضاء لا يرده بغير الدعاء,..
ليس هذه دعوة مني لئلا يتخذ الناس أمورهم بالجد, والتفكير, والعزيمة, والتخطيط, والعمل, والوعي, والمعرفة, والدرس, والإنجاز, والتفوُّق, والتعاضد, والهمة, والمقارنة, والاحتجاج بالحق, والمقارعة بالعدّة كانت العدّة مالاً, أو جنوداً, أو علماً, أو حقائق مواقف, أو حقوقاً باختلافها, إنما هي دعوة لأن نجعل العودة إلى الله مخرجاً بعونه من أزمات الحياة, مهما اختلفت, خصت, أو عمّت, فلا مرد للحياة ومن، وما فيها إلاّ إلى الله, فالله خير حافظ, والله وحده مُخرج المؤمنَ من جحور الضيق, إلى فسحات النور منتصراً, عزيزاً, قوياً لا تغلبه مكائد الحاقدين الطامعين. فيده «فوق أيديهم»، وإنهم لن يعجزوا أحداً وكيله الله وحسبه,
لكن يبقى لكل أمر كتابه, وأجله لحكمة الله في خلقه,..
وإنه تعالى بثقتنا في نصره لسوف يعجل به، فيخرج الأتقياء الأنقياء في كل مكان من محنتهم التي تقوم, وإن أحيط بهم, أو غلبوا ردحاً من الزمن...
فلنصلِّ لسوريا, وللعراق, ولفلسطين, ولليمن، وللمسلمين في كل مكان..
ولنصلِّ لله أن ينصرنا في والوطن على من يحيك به استنزافاً لماله, أو إحراجاً لعلاقاته, أو مسَّاً بمكانته,
وأن يقوي حجته, وأن يمكر له فيبدد مكر الطامعين في مقدراته, وأن يلهم قادته الخطة والعمل لرد كيد الكائدين عنه, فلا «جاستا» ولا سواها...
فالسبيل الأقرب الأقوى, مع العمل هو الدعاء صلاةً, وابتهالاً, لجوءاً مطمئناً إلى الله، طمعاً إليه في نصره المبين, فالله قد قال تعالى : {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ } (77) سورة الفرقان.
فرداً فرداً, وجماعة جماعة لنصلِّ, ولنبتهل كما نفعل عند الاستغاثة للمطر..
فهو من قال : { فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} (186) سورة البقرة.
فليمطرنا بكرمه, وجوده بالنصر, والخير, والأمان..
وليخرج المسلمين في كل مكان من ضائقتهم وكربهم، وينجيهم من السوء المستفحل بهم,
فليس غيره تعالى مهما احتكم المرء لذاته, أو ركن إلى قدراته, فهي كلها بأمر الله تعالى,
{أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ } (62) سورة النمل, فهو وحده الذي يجيب, وهو وحده القادر، {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى} (5) سورة الضحى.
فلنصلِّ جميعاً, ولندعُهُ..