بيروت - منير الحافي:
روجيه أدة، المحامي ابن البيت السياسي العريق في جبيل اللبنانية، يقرأ على طريقته مستجدات الأوضاع عند «جيراننا» في سوريا وامتدادًا إلى ايران التي يرى أنها تحمل مشروعًا مذهبيًا تريد فيه تحقيق نبؤة «أسطورية» على حساب العرب! وسوريا يرى أنها لن تقسم إذا عملت الإدارة الأمريكية التي ستنتخب قريبًا على إنهاء نظام الأسد وتوحيدها مجدداً في نظام اتحادي (كونفدرالي) بين المحافظات. ويلوم أدة العرب جميعًا بأنهم لم يدعموا كفاية المعارضة السورية ويطلب من تركيا والعالم العربي «مواجهة مشروع إيران ميدانياً على جبهات الفتنة جميعها». واليمن، يري أدة، أن الحرب فيه لن تنتهي قبل أن تنتهي في سوريا. وفيما يلي نص اللقاء كاملاً:
* استاذ روجيه، أنت مراقب للوضع الإقليمي بشكل دقيق، ومن يتابع تغريداتك عبر تويتر يلحظ ذلك بشكل يومي. ماذا ترى في تطورات الوضع السوري؟ هل ترى أن النظام مرتاح للوضع العسكري بدعم روسي ومشاركة قوات إيرانية وميليشيات لبنانية وعراقية؟
- ضروري أن نمّيز بين تعبير «النظام» الذي هو بمفهومنا بشار الأسد وجماعته المصنّفين دوليًا مجرمي حرب ومجرمين ضد الإنسانية؛ وبين نظام الدولة السورية المعترف بها دوليًا التي يتمنى النظام الدولي إنقاذها من التفتيت والمزيد من المآسي الإنسانية، التي يريد إعادة بناء جيشها وتوحيده مع الجيش الحر والفصائل المقاتلة باستثناء داعش المنبوذة دوليًا وعربيًا وإسلاميًا، مثلها مثل سائر أدوات إيران الزارعة لبذور الفتنة عبر كل من تمد بالمال وبالدعم اللوجستي والتوجيه والتنسيق من دون تمييز بين شيعة وسنة وشبيحة من شتى الطوائف والمذاهب.
ذلك أن مشروع إيران ليس مجرد مشروع نفوذ إقليمي ودولي ولا هو بعث الإمبراطورية الفارسية، التي أنهتها ثورة الخميني حين أسقطت إمبراطورية الشاه التي كانت تفصل بين الدين والدولة وتبني دولة صناعية وحضارية معاصرة، متصالحة مع جيرانها ومنخرطة في النظام الدولي!
إيران ولي الفقيه تهدف لتحقيق روايات «خرافية» مستندة إلى فهم خاص بها. هي تريد «إشعال فتنة الشام» وحسمها في الكوفة بنصرة «الإمام الخرساني» ومن ثم الزحف وإظهار «المهدي المنتظر»! إن كل قراءة أخرى لمشروع الولي الفقيه خاطئة وخطيرة، لأنها تكون بروباغندا سخيفة، لا تنير حقائق وأسرار وألغازَ تحرّك إيران في العالم العربي الإسلامي، ودوليًا، بخطاب وأداء، باطني، متعدد الازدواجيات!
لذا مصير الأسد لا يعني إيران سوى مطية، مؤقتة، وشريك بين عديد من الشركاء في إشعال حرائق «فتنة الشام» لتحقيق أهداف إيران المذهبية.
أما الدور الروسي، فهو مسيحي، قيصري، لا علاقة له بمشروع ولاية الفقيه، بل إن تدخّله في سوريا هو منسق مع إسرائيل وإدارة أوباما، لتهميش الدور وتعطيل مشروع إيران الفتنوي والمذهبي، الذي لا يعني روسيا بوتين إطلاقًا. إن ما يأمله فلاديمير بوتين هو أن يكون شريكًا في صنع النظام الدولي الجديد على غرار اتفاق سايكس-بيكو البريطاني-الفرنسي الذي مهد لتنظيم عالم ما بعد سقوط الخلافة العثمانية والإمبراطورية الجرمانية النمساوية-المجرية فجر القرن العشرين! وهذا ما يفّسر ثنائي كيري - لافروف! لكن ضعف أوباما وانعزاليته، ومقاومة إيران وتحركها الميداني بقيادة قاسم سليماني، وتردد أوباما في الحسم في سوريا والعراق، أضعفت حظوظ نجاح هذه الثنائية، لكن الفكرة قد تنجح في عهد الرئيس ترامب أو الرئيسة كلينتون، التي قد تكون صقرًا بالمقارنة مع أوباما.
بالمختصر ضعف الدول الأوروبية المرحلي، وشخصية بوتين الإرادية والقوية تجعل من روسيا شريكًا ثانويًا لأمريكا العهد المقبل، على غرار ما كانت فرنسا الشريك الثانوي لبريطانيا العظمى بعد الحرب العالمية الأولى للقرن المنصرم.
لكن ستكون كل من تركيا والعالم العربي غير معفيين من مسؤولية مواجهة مشروع إيران ميدانيًا على جبهات «الفتنة» جميعها، الأمر الذي يتطلب إعادة ترتيب الأولويات والتأسيس لاقتصاد حرب وتدريب وتثقيف وتسليح الشعوب إلزاميًا، لأن الحروب لا تربح بالمرتزقة ولا بالقوة المستعارة، حتى من أصدق الحلفاء، وما أدراك؟ عن صدق الحلفاء وأولياتهم وخلفياتهم، وتداول السلطة، ومعها السياسات، في بلدانهم، «ما بيحك ظهرك إلا ظفرك» يقول المثل اللبناني!
* هل تذهب سوريا إلى التقسيم المذهبي مثلما يجري من نقل للسكان في بعض الأماكن الآن تحت أنظار الأمم المتحدة والعالم؟
- التقسيم وإعادة رسم الخرائط في سوريا ولبنان، هي خطة نظام الأسد البديلة إن عجز عن قمع ثورة الشعب السوري مع حليفه الإيراني وأدواتهما وبرغم التدخل الروسي!
لذا يتحدثون عن «سوريا المفيدة» التي تمتد من ساحل سوريا الشمالي لحماة وحمص ودمشق جنوبًا حتى الحدود الإسرائيلية، وغربًا لضم «الأقضية الأربعة» التي ضمت إلى لبنان الحكم الذاتي في العهد العثماني حين أعلنت دولة «لبنان الكبير» وانتدبت «عصبة الأمم» الدولة الفرنسية، العظمى في حينه، لتأسيسها كدولة - كيان، بحدود معترف بها دوليًا، لا تزال هي نفسها لغاية يومنا هذا.
وتعتمد الخطة التقسيمية هذه على أدوات إيران المعسكرة كحزب الله والتنظيم العسكري العلوي في شمال لبنان، وتنظيم فلسطيني يمده المحور الإيراني - الأسدي بالمال والدعم اللوجستي، والحزب القومي السوري؛ أما حلفاء الأسد وحزب الله مثل ميشال عون وتياره وبعض القيادات الدرزية والسنية المحسوبة في خانة تيار 8 آذار فلن يشاركوا في نظري في مشروع كهذا لأن جمهورهم ينهيهم سياسيًا وينقلب عليهم.
لذلك، لا أعتقد أن مشروع التقسيم قابل للتنفيذ لا سوريًا ولا لبنانيًا، لا سيما أن ضخامة اللجوء السوري في لبنان يرجح معادلة القوة ضد أدوات إيران والنظام السوري! لكنّ هنالك حرصًا روسيًا ودوليًا على حماية الأقليات والمصالح الجيوسياسية، في سوريا ولبنان. لذلك أتوقع أن يكون سايكس-بيكو جديد بعد نهاية عهد أوباما، يؤدي إلى تطبيق القرار الأممي 2254 وإنهاء نظام الأسد، مع الحفاظ على الدولة السورية بحدودها المعترف بها دوليًا، لكن في نظام ديمقراطي، اتحادي (كونفدرالي) بين المحافظات، مع الحد الأدنى من المركزية والحد الأعلى من اللا مركزية!
وهذا يتطلّب في مرحلة «إعادة التأسيس» رعاية «ميدانية» تشارك في تأمينها الدول القادرة العربية والإسلامية، لا سيما تركيا ومصر ودول مجلس التعاون، وطبعًا للأمريكيين والروس والحلف الأطلسي، دورهم الوازن واللازم. كل ذلك تطبيقًا للقرار 2254 وبرعاية مجلس الأمن!
أما لبنان فنتمنى أن يبقى محميًا من الحريق السوري، لكن لا مفرّ من الاعتراف أنه يمكن إبعاد «شرب هذه الكأس المرة» عن لبنان إلى حين تدق ساعة الحسم، فالحل اللبناني يكون بفتح النوافذ الدستورية المغلقة منذ فرض دستور الطائف، فتلغى الطائفية لصالح الدولة المدنية والمواطنية المتساوية بالحقوق والموجبات جميعها، بمقابل الحد الأدنى من المركزية وإنهاء «نظام المحاصصة الطائفية» في تقاسم السلطة وريع فسادها، لصالح «الاتحادية الكونفدرالية» بين «المحافظات» التي تقرر مصيرها والحكم في إطارها الجغرافي ديمقراطيًا، فيكون المحافظ منتخبًا بالأكثرية المطلقة وتكون مجالس المحافظات منتخبة بالنسبية المطلقة وفق نموذج الانتخابات لمجلس الاتحاد الأوروبي!
* الموقف السعودي واضح في سوريا إلى جانب المعارضة السورية وتابعت مقالة وزير الخارجية السعودي ردًا على ظريف الإيراني. هل تستطيع السعودية أن تقوّم الموقف الدولي، وتستميله إلى جانب المعارضة؟
- تبقى السعودية القيادة الإقليمية العربية التي يعول عليها العالمين العربي والإسلامي لحسم ومنع انتشار فتنة الشام وحرب الكوفة والمشروع الإيراني الديني المهدوي.
وانظر إلى الموقف الدولي بقيادة أوباما، الذي كان همّه الأول مصالحة إيران وبالتالي تلافي كل ما يمكن أن يحول دون تحقيق الاتفاق النووي، ولو بأسوأ الشروط، ما دام لم يصوّت عليه الكونجرس ليصبح «معاهدة» ملزمة لمن يحل بعد أوباما في كرسي الرئاسة الأمريكية والزعامة الدولية! أي أن الرئيس الجديد قادر على اشتراط ما يشاء لمنع إيران من التسليح النووي ولفرض مزيد من العقوبات والأعمال العسكرية المانعة لذلك. كذلك بالنسبة لتصدير الفتن وتخريب النظام العربي الإسلامي، لم يخاطر أوباما بالاعتراف أنه أخطأ حين راهن على أن الاتفاق النووي ورفع العقوبات «والتعاون مع إيران من تحت الطاولة» في العراق بحجة محاربة داعش والقاعدة، مع علمه الموثق بعلاقات إيران بداعش والقاعدة، منذ حرب تحرير الكويت وقبل 11أيلول، وتطورها الكبير بعد حرب جورج بوش ضد الإرهاب، التي بدأت في أفغانستان، وهجرت عائلة بن لادن وسيف العدل وقيادات أخرى إلى إيران! لكن أوباما كان يأمل بمصافحة الولي الفقيه في طهران، إِذ لم يدرك أن روحاني وظريف لا يمثلان مشروع ولي الفقيه المهدوي، الذي يبرر وجوده بمحاربة «الشيطان الأكبر» في حين يستجديه عبر الدبلوماسية الحكومية واللوبي الإيراني الذي يوظف الخبرة والثروات في التأثير في صنع القرار الأمريكي، بينما العرب من أصدقاء أمريكا أهملوا إلى حد كبير وما برحوا، توظيف طاقاتهم الإنسانية والمالية في بناء لوبي نافذ وفعّال، في الإعلام وفي المطابخ الفكرية، ولدى الكونجرس!
أما المعارضة السورية فقد أهملت عربيًا عامي 2012 - 2013، وهي لا تزال تدعم بتردد وبأقل الإمكانات!
وإيران تحارب بكل إمكاناتها والعرب بأنصاف الإرادات والإمكانات!
هذا واقع يجب أن يكون جزءًا أساسيًا من الرؤى المستقبلية، لأن أفضل دفاع، كان ويبقى الهجوم ثم الهجوم ثم الحسم مهما كلّف الأمر!
المعارك التي لا تخاض
تخسر سلفًا
هناك من يعد أنه إذا انتهت في اليمن تؤشر إلى نهايات في سوريا. هل ترى ذلك؟ وهل نحن بالضرورة منتظرون الإدارة الأمريكية الجديدة للوصول إلى حلول؟
- لتنتهي باليمن يجب أن تنتهي أولاً في سوريا، لأن إنهاك، وصد المشروع الإيراني في سوريا، يضعف معنويات وإمكانات حلفائها في اليمن، ويرفع المعنويات العربية. ويجب أن تنال المملكة دعم الجميع في قيادتها للحرب ضد الميليشيات الحوثية وجماعة صالح.
وبرأيي المعارك يجب أن تخاض، بعيدًا عن الدار، لأن ربحها يحمي الديار. وأنا من المؤمنين بالحروب الوقائية!