أحمد بن عبدالرحمن الجبير
لمجلس الشورى مكانة وأهمية منذ قيام الدولة السعودية، وهو تجسيد لمشاركة النخب في القرار السياسي، والتشريعي للبلاد، وهو واجهة الدولة للإعلام الدولي، وله دوره المهم والآخذ في التصاعد في صنع القرار الوطني الرشيد على الصعيدين الداخلي والخارجي، والذي يستمد وقوده من أصحاب الرأي، والخبرة رئيس وأعضاء المجلس، ممن لهم باع طويل في تخصصاتهم ولديهم خبرات تراكمية في ميادين العمل الحكومي والخاص والعسكري، ومواقف مشهودة لصالح الوطن والمواطن.
هناك من يهوى عملية جلد الذات لمؤسساتنا، وإنجازاتنا الوطنية، ويلجأ للإنكار، ويبتعد عن الإنصاف عند تقييم أدائها ومنجزاتها، والمجلس في عهده الحديث طاله ما طاله من نقد دون النظر بعين الإنصاف لأهم ما قدمه من أعمال وقرارات، ولكن سيبقى المجلس علامة إيجابية في نظامنا السياسي، وما شهده المجلس في دوراته السابقة من عدة خطوات تطويرية زادت من صلاحياته يجعلنا نتفاءل بالمستقبل.
ويحدونا الأمل أن يكون للمجلس في دورته القادمة دور أكبر في هذه المرحلة المهمة من تاريخ بلادنا مستمداً نشاطه وحراكه من رؤية خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - حفظه الله - القائمة على العدل والعزم والحزم، وعلى الرقابة والمساءلة، وتطوير التشريعات، بما يخدم مسارات التنمية، والأمن الاجتماعي، والاستقرار الوطني الذي نعيشه.
ويجب علينا ونحن نحتفل باليوم الوطني لبلادنا أن نتذكر التاريخ الطويل لمجلس الشورى، ودوره الوطني المشرف طوال الـ97 عاماً التي هي عمره الزمني في عهديه القديم والحديث منذ أن أصدر المؤسس الملك عبد العزيز - رحمه الله - نظامه الأول، وهو يكمل عامه الـ 24 بموجب نظامه الجديد الذي أصدره الملك فهد - رحمه الله - والذي تحققت فيه الغايات النبيلة لبلادنا من خلال قيامه بواجباته على نهج كتاب الله، وسنة نبيه، حيث تشرف معالي العم فضيلة الشيخ محمد بن جبير - رحمه الله - بأول رئاسة لمجلس الشورى الحديث، ومن ثم رأسه معالي الدكتور فضيلة الشيخ صالح بن حميد.
والآن يرأس المجلس بكل اقتدار معالي الدكتور فضيلة الشيخ عبد الله بن محمد بن إبراهيم آل الشيخ، ويضم في عضويته نخبة من أبناء وبنات الوطن، ويحظى بالقبول والاحترام من الدولة والمواطن من خلال مشاركات رئيسه وأعضائه، ودعمهم للنهج السياسي الذي تتبناه المملكة في علاقاتها مع الجميع، وإبراز صورة المملكة الحضارية, ومواقفها العادلة تجاه جميع القضايا الدولية حتى رسخوا عظمة الإنجاز الذي رسمه، وحققه مؤسس بلادنا الملك عبد العزيز وسار على نهجه أبناؤه الملوك - رحمهم الله جميعاً - وأيضاً يسير على نهجهم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان - حفظه الله -.
وقد أولى مجلس الشورى - رئيساً وأعضاء - في دورته الحالية التي شارفت على الانتهاء اهتماماً كبيراً بالشأن المحلي، وفتح نوافذ عديدة لاقتراحات المواطنين، وشكاواهم من خلال استقباله عبر مختلف وسائل التواصل الاجتماعي آلاف الرسائل وحول بعضها إلى أنظمة، ودعا عدداً من شرائح المجتمع المتنوعة من بينهم ذو الاحتياجات الخاصة، والمتقاعدون والإعلاميون، والكتّاب والقانونيون، وحاورهم، واستمع إلى مقترحاتهم، وأيضاً دعا عدداً من الوزراء، والمسؤولين في الدولة وناقشهم فيما يخص أداء وزاراتهم في خدمة المواطن.
ودخلت المرأة السعودية في المجلس، والذي يحمل في طياته إيجابيات كثيرة كونها أثبتت وجودها وقدرتها العلمية والفكرية في جميع المجالات، كما أن زيادة أعضاء مجلس الشورى فتح المجال لمزيد من شرائح المجتمع في إثراء مناقشات المجلس، وتنوع التخصصات، وتوسيع المشاركة، وأصبح عضو مجلس الشورى أمام أنظار العالم يجسّد النموذج الأمثل للإنسان السعودي، وأصبح المجلس يحظى باهتمام المثقفين والمفكرين، والإعلاميين والمستشارين، وحملة القلم، وأضحت أخباره تتصدر الصحف، ووسائل التواصل الاجتماعي.
ويقوم المجلس بدور كبير في مراجعة الأنظمة، وتحسين الأداء، وتطوير الخدمات، وكان عوناً للدولة في مراجعة الكثير من أنظمة الاستثمار الأجنبي، والرهن العقاري والتجاري والسوق المالية، وبنوك التمويل، والعمل والتوظيف، والتقاعد والتأمينات، ودرس العديد من الاتفاقيات المالية والإدارية، والاقتصادية والعلمية والتقنية، والعمالية والجمركية، والثقافية والرياضية، واحترام حقوق الإنسان، وكل ما له علاقة بأمن وسلامة الوطن والمواطن.
وواصل مجلس الشورى جهوده البرلمانية، وتعزيز العلاقات مع المجالس الأخرى، كما أسهم بدور فاعل في المؤتمرات التي عقدت في إطار اتحادات البرلمانات والمجالس العربية والإسلامية والعالمية، وقدم المشورة الصادقة للدولة، فالتجربة البرلمانية للمملكة دخلت في عمق المحافل الدولية، وأبرزت الدور الفعلي للمجلس في دعم توجهات المملكة تجاه العديد من القضايا وخاصة القضية الفلسطينية، وأحداث 11 سبتمبر في أمريكا، والتدخلات الفارسية الهمجية في سوريا والعراق واليمن.
وأخيراً أن ما حققه المجلس في دورته الحالية التي شارفت على الانتهاء برئاسة معالي الدكتور عبد الله آل الشيخ، وأصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة أعضاء المجلس من إنجازات على الصعيدين المحلي، والخارجي تُسجل لصالح الوطن والمواطن، كما نجح المجلس في انتهاج سياسة إعلامية رصينة تعكس مكانته في بنية نظام الحكم، وأهمية أدواره المتعددة في نشر مبادئ حرية التعبير والحوار، والاستماع للرأي الآخر، وسمح للإعلاميين حضور مناقشاته العامة، وتم تعيين متحدث رسمي له للرد على أسئلة الصحفيين في الداخل والخارج.
إن تلك الجهود والإنجازات تحتم علينا جميعاً ونحن نحتفل بذكرى يومنا الوطني المجيد شكرهم، فالمجلس بما تميز به من أداء، وعمل جماعي مسلح بالعلم والمعرفة، وما قدمه رئيسه وأعضاؤه من آراء ومقترحات انبثقت من تجاربهم في الإدارة والسياسة والتخطيط والاقتصاد، وقد تحققت تلك الإنجازات بفضل الله ثم بفضل ما وفرته حكومتنا الرشيدة بقيادة ملك الحزم والعزم الملك سلمان - حفظه الله - من دعم وثقة في المجلس.