خالد بن حمد المالك
بين المملكة وتركيا تاريخ مضيء يمتد إلى عقود من الزمن، وما يجمع الرياض بأنقرة أكثر مما يفرِّق بين الدولتين والعاصمتين والقيادتين والشعبين، هناك مصالح مشتركة، واحترام متبادل، وتعاون في كل الميادين، وإن شئت فقل مع حق كل دولة بالتعبير الحر عن وجهة نظرها في كل القضايا، وأخذ المواقف التي تنسجم مع مصالحها، دون الإضرار بالأخرى، بحسب ما هو موثَّق في العلاقات الثنائية التاريخية بين الدولتين.
* *
ملوك وأمراء سعوديون يزورون تركيا من حين لآخر، ورؤساء أتراك يترددون باستمرار على المملكة، ضمن تحديث وتجديد هذه العلاقات المتميزة والرفع من مستواها بما يلبي مصلحة البلدين والشعبين الصديقين، ويراعى في كل ذلك المستجدات والتطورات التي تشهدها المنطقة، وكلما كانت هناك مصلحة للتفاهم والتعاون بين المملكة وتركيا حولها، لتتجنب كل منهما الوقوع في فخ المؤامرات، بالتفاهم والتعاون على ما يفوّت الفرصة على العدو المشترك بعدم إنجاح مخططاته للإضرار بالدولتين.
* *
وإذ يقوم ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف بن عبدالعزيز بزيارة رسمية لتركيا، هي الأولى لمسؤول سعودي كبير، بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرّضت لها تركيا، وعبّرت المملكة حينها عن شجبها واستنكارها ووقوفها إلى جانب النظام الشرعي المنتخب برئاسة الرئيس التركي رجب أردوغان، إنما يجدد سموه في هذه الزيارة تفعيل العمل الثنائي المشترك بين الدولتين، وكان ولي العهد والرئيس التركي قد التقيا في نيويورك خلال انعقاد الدورة 71 للجمعية العمومية للأمم المتحدة، وبحثا معاً الفرص الجديدة المتاحة للتعاون بين بلدينا.
* *
كما كان خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز قد زار تركيا، وهو ولي للعهد، كما زارها وهو ملك أيضاً، وشارك في اجتماعات دول مجموعة العشرين بالتزامن مع زيارته الرسمية، وفي الزيارتين تم التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات، والتفاهمات، ضمن برامج طموحة للتعاون بين الرياض وأنقرة، كما كان الرئيس التركي من بين أوائل من زار الرياض من زعماء العالم للتعزية في وفاة الملك عبد الله رحمه الله، وقابل الملك سلمان لتهنئته بمبايعته ملكاً للمملكة العربية السعودية، مبدياً ترحيبه بفتح صفحات جديدة للتعاون مع العهد الملكي الجديد امتداداً لما كان قائماً مع الملوك السابقين، وهو ما يتم تحقيقه الآن.
* *
زيارة ولي العهد إذاً تكتسب أهميتها لكون الأمير محمد بن نايف، يجيء إلى تركيا زائراً بدعوة رسمية، إثر ما تم التوقيع عليه من اتفاقيات بين الدولتين خلال الزيارة الأخيرة لخادم الحرمين الشريفين لتركيا، بحضور الملك والرئيس، حيث لم يمض عليها كثير من الوقت، وما زالت تحتاج من الجانبين إلى التسريع في تنفيذ ما ورد فيها، للوصول بالعلاقات الثنائية إلى ما خطّط له الملك والرئيس، والمضي بالعلاقات وفق ما سيطرحه ولي العهد على الجانب التركي عن تطلعات المملكة لمزيد من التعاون، بما ينسجم مع رؤيتها 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020 المنبثق عن الرؤية.
* *
ربما كان من المبكر استنتاج ما سيتم في هذه الزيارة المهمة، لكن ما هو متوقّع ومنتظر منها شيء كثير ومهم، فهي وإن كانت قصيرة من حيث الوقت المحدد لها، إلا أن في ملفات ولي العهد الكثير من الموضوعات المهمة، وتستحق المناقشة والتفاهم والعمل على إنجازها لتكون امتداداً لكل النجاحات السابقة في العلاقات الثنائية في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية، وما استجد حولها منذ الزيارات التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان وإلى اليوم.
* *
تكرار الزيارات الرسمية على مستوى القادة الكبار في الدولتين، وبحث ومراجعة ما يهم العلاقات الثنائية، إنما هي خطوات مهمة لتفعيل هذه العلاقات الثنائية نحو الأفضل، وتنشيطها ووضع حلول لأي معوقات قد تواجهها، وهذا ما دأبت عليه المملكة في علاقاتها وسياساتها مع الدول الشقيقة والصديقة، وزيارة ولي العهد الأمير محمد بن نايف إلى تركيا تأخذ هذا المنحى، وتأتي على خطى الملك سلمان وتوجيهاته لتجذير العلاقات مع تركيا.