د. أحمد الفراج
عندما أسس الآباء المؤسسون الإمبراطورية الأمريكية، وكتبوا دستورها، حرصوا على أن لا تتركز السلطة في يد شخص واحد، ولذا فهناك سلطات ثلاث تتحكم في قرارات الولايات المتحدة، وهي الرئيس، والكونجرس، والمحكمة العليا، التي يناط بها تفسير الدستور، وحل الإشكالات التي قد تنجم عن تداخل السلطات، ولنتذكر أن هذه المحكمة هي التي قررت فوز بوش الابن بالرئاسة، في عام 2000، وذلك عندما حصل جدل حول فرز أصوات الناخبين في ولاية فلوريدا، وطال الوقت دون جدوى، ثم تدخلت المحكمة العليا، وصوتت بأغلبية خمسة أصوات ضد أربعة، لصالح بوش الابن، لأن هؤلاء الخمسة كانوا محافظين، ولو كانوا ذا توجه ليبرالي، لربما صوتوا لصالح فوز المرشح الديمقراطي، ال قور، الذي لم يكن -ربما- ليغزو العراق، في 2003، ولكن هكذا سارت الأحداث.
الرئيس الأمريكي، حسب الدستور، لديه صلاحيات كثيرة، سنتطرق لها في مقال مستقل، ومن ضمنها استخدام الفيتو، ضد مشاريع القوانين المقترحة من الكونجرس (مجلسي الشيوخ والنواب)، بعد التصويت عليها بالأغلبية، وهذا بالطبع ليس حقاً مطلقاً للرئيس، إذ بإمكان الكونجرس أن ينقض الفيتو، إذا صوت بأغلبية الثلثين، وهو قليل ما يحدث (تاريخياً: لا تتجاوز نسبة نقض الكونجرس لفيتو الرئيس الـ 10 %)، ولأنني كتبت عن ذلك قبلاً، فيحسن أن أشير إلى نوع آخر من أنواع الفيتو، الذي يستطيع الرئيس استخدامه، ويصبح نافذاً، ولا يستطيع الكونجرس نقضه، ويسمى هذا الفيتو (pocket veto)، ولو ترجمنا المعنى حرفياً، لأصبح يعني أن الفيتو في جيب الرئيس، ومضمون النفاذ، فما هو هذا الفيتو؟
الفيتو الذي استخدمه الرئيس أوباما، ضد قانون جاستا، الذي يعنينا في المملكة، هو «الفيتو العادي»، أي الذي يمكن للكونجرس نقضه بأغلبية الثلثين، أما الفيتو المضمون النفاذ، فهو يحدث، عندما يرفع الكونجرس مشروع قانون للرئيس، ثم يستخدم الرئيس الفيتو، ويعيده للكونجرس، ويكون الكونجرس حينها قد انفض في إجازة، أو انتهت فترته النيابية، فهنا يصبح فيتو الرئيس نافذاً، ولأن بعض رؤساء أمريكا استغلوا هذه الثغرة، التي تتيح لهم استخدام الفيتو النافذ، فقد اعترض الكونجرس، وتدخلت المحكمة العليا، والتفصيل حول ذلك طويل، وأوباما لم يستخدم الفيتو النافذ ضد قانون جاستا، لأن الدستور يلزمه أن يعيده للكونجرس، خلال 10 أيام من تسلمه، وقد حدث ذلك، دون أن ينفض الكونجرس، لأن الكونجرس قد أخذ احتياطاته كافة، كي لا يستخدم أوباما الفيتو النافذ، وجدير بالذكر أن معظم رؤساء أمريكا استخدموا الفيتو النافذ، فالرئيس ايزنهاور استخدم الفيتو النافذ 108 مرات، نعم (مائة وثماني مرات)، وخلفه الرئيس كينيدي استخدمه 9 مرات، والرئيس ريجان استخدمه 39 مرة، وخلفه بوش الأب استخدمه 15 مرة، وكان آخر من استخدم الفيتو النافذ، هو بيل كلينتون، واستخدمه مرة واحدة فقط، وكنا نتمنى لو استخدم باراك أوباما الفيتو النافذ مع قانون جاستا، ولكنه لم يستطع، وهذا ليس ذنبه، فالكونجرس لم يعطه الفرصة، كما وضحنا سلفاً، أي أنه كان لزاماً على أوباما أن يعيد مشروع قانون جاستا والكونجرس في حالة انعقاد، وما علينا إلا ترقب وانتظار تصويت الكونجرس، خلال الفترة القادمة، فلعل معجزة تحدث، ويسلم وطننا من تبعات هذا القانون المجحف.