ماجدة السويِّح
تعيش الطالبات في أكبر و أعرق الجامعات بالسعودية عند طلب الخروج مبكرا عملية روتينية يمكن وصفها بالاستلام و التسليم المشروط، حيث تصطف سعيدات الحظ طالبات الجامعة المسلحات ببطاقة مصدقة من الجامعة تحمل صورة ولي أمرها أو من ينوب عنه كالسائق الدائم للسماح لها بالخروج مبكرا بعد انتهاء المحاضرة أو لحضور موعد هام.
في حرم جامعي آخر تعاني الطالبة من اجتهادات فردية أو بيروقراطية في التعامل مع الحالات الصحية الحرجة التي تنتظر موافقة ولي الأمر على إسعاف أو مرافقة المريضة.
وفي مدينة جامعية أخرى تمنع الطالبات من حمل الهواتف الذكية أو الكمبيوترات، أو حتى حقهن في اختيار الزي المناسب دون مراعاة للاختلاف، أو الاستقلالية في المرحلة الجامعية، وتتفاوت الجامعات في فرض الوصاية على الطالبات بحسب المناطق، والتوجهات الفكرية التي تدير الصرح العلمي.
المشاكل التي نشهدها في الحياة الجامعية للطالبات للأسف لم تتغير على مدى عقود، رغم التطور الشكلي في المباني والبرامج الأكاديمية المقدمة، فالحاصل أن الحارس المتسلح بـ» الخيزرانه» أمام بوابة الكليات والمدارس تطور شكله لحارسات أمن يمارسن الرقابة بإيعاز من الإدارة التي ما زالت تمارس دور الوصي في التعامل مع الطالبات كقاصر تحتاج لمتابعة ورقابة حتى تعود لمنزلها بعد انتهاء اليوم الدراسي.
وفي أحسن الأحوال لو صادفت الطالبة الجامعية تلك الإدارة المتفهمة ستجد من الموظفات من تتقمص دور الوصي، وخير مثال على ذلك نموذج موافقة ولي الأمر على الاشتراك في النادي الرياضي في جامعة الأميرة نورة الذي كان اجتهادا من الموظفة المسؤولة وتم إلغاؤه.
التعامل مع الطالبات بالعقلية المتشككة في نضج ومسؤولية الفتاة عن أعمالها تشير إلى أن الفتاة مذنبة حتى تثبت براءاتها. في حين تمنح الحقوق الإنسانية لزميلها الطالب في نفس الجامعة دون قيود، فتصاغ القوانين التي تضيق على الفتيات في اللباس، أو حرية التنقل، أو حرية الاختيار، هذه الوصاية التي تمارس من عقليات لا تراعي العصر الذي تعيش فيه قد تحدد شروطا مضحكة ومبكية في التعامل مع التقنية كمنع الهواتف الذكية، والكمبيوترات التي تعد عاملا أساسيا في العملية التعليمية.
و يشكل منع الجامعات والكليات لعملية الإنقاذ، أو طلب موافقة ولي الأمر على عملية نقل المريضة إلى المستشفى أشد القوانين خطورة، وخرقا في حق الإنسان بالعلاج، حيث ترفض 90% من جامعات و كليات البنات دخول الهلال الأحمر لمباشرة الحالات الإسعافية وفقا لعبدالله العتيبي المتحدث الإعلامي لهيئة الهلال الأحمر.
العقلية المتأزمة في التعامل مع المرأة ككائن مستقل له حقوق وواجبات ترى أن الوصاية على المرأة من المهد إلى اللحد حتى لو أدى ذلك لهلاكها، ولعل حادثة حريق مدرسة الفتيات بمكة المكرمة عام 2002 خير شاهد على إزهاق أرواح بريئة بعد تأخر عملية الإنقاذ للفتيات والمعلمات المحتجزات، مما نتج عنه وفاة 15 شهيدة في محراب العلم.
الحياة الجامعية يفترض أن تؤسس الفتيات لمرحلة مهمة في بناء الذات، و صقل الشخصية وبناء المستقبل، وتجربة الاستقلالية و المسؤولية في جو من الحرية والاحترام، فالحرية حق ومهارة ينبغي أن تنمى وتستثمر خلال سنوات الدراسة الجامعية في رفض التمييز، وتعزيز المسؤولية والرقابة الداخلية لمواجهة سياسة «الباب» و «الحارس».