د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
بعد أن يمضيَ الزمن تتراكم الحكاياتُ في أذهاننا مختزلةً لقطاتٍ تعبر بنا نحو الأمس بمعظم ما فيه من أحداث وببعض من فيه من شخوص، وقد نتمنى حضورَ غائبٍ لم نتهيأْ لفراقه ، واستعادة مواقفَ لم تكتملْ قراءتُها، وتجاهل أخرى لا تستحقُّ استحضارها، وتجاوز ملفاتٍ احترقت أوراقُها ، ويبقى الاستفهام المهم؛ فهل الحياة ما نسعد به أم ما نشقى؟ وهل الأحياءُ من نحبهم أم من نكرههم؟ وهل نستطيع استلال ذواتنا من مداراتها لنكيِّفَها وفق ما نشاء كي تحتفي بمن تشاء؟ وماذا عمن اختاروا العزلة فرضُوا؟ ومن امتزجوا بالبحار المالحة فأُحبطوا؟ وماهو الثمن الذي يدفعه من اختار دور الشقيَ أو يسر الله له دور النقيّ؟ أوَ للشقاء والنقاء مقابل؟
أسئلة طرحها صاحبكم على نفسه وهو يسرد بعض تجاربه لجمهورٍ معظمه من الشباب، ودون أن يُعدَّ أو يستعدَّ وجد نفسه أمام مطرٍ «ذكرياتي» يهطل في وعيه ويندفع نحو لسانه؛ فكيف يرتبه؟ وهل يراقبه؟ وهل يجوز البوح بالأسماء؟ وهل يدخل جانب من الأحاديث في بابي «الغيبة « أو الكِبر»؟ وماذا عن التزامه ألا يقول غير الحق؟ وهل يستوفي ممن كال له بخسًا؟ وهل يعلن عمن امتلأُوا تعسًا ونكسًا؟ وهل يكشف المخبَّأ الذي يعلمه؟ وهل يكون هو إن فعل هذا؟ وهل يكون هو إن لم يفعل؟
** تنفتح علائم الاستفهام فلا تبلغ إغلاقًا ولا تقبل انغلاقًا، وينقاد إلى الاقتناع بيسرِ تدوينِ السيرة الذاتية أو روايتها مادام الآخَرون نائين عن أحداثها ، أما حين تختلط بهم في المسارات السلبية فإن الإشارات الحمراء تُبَطِّئُ مشيَها وقد تمنعُه؛ فهل يقطعها ويختم سيرته بغبارٍ تسامى فوقه طيلة مسيرته؟ بالتأكيد: لن يفعل.
دارت معظم التعليقات حول من عنيتَ بهذا؟ ومن هو ذاك؟ واعتذر بحزمٍ عن الإيحاء بوسومهم أو رسومهم؛ فقد سامح بعضًا واحتسب بعضًا وتحسب على بعض، وهذا يكفي، أما الإيجابيون - وهم الكثرة - فقد روى مواقفهم ودعا لهم، لكن السؤال يظلُّ مُطلًا ومملًا؛ فمن يستطيع قول كل شيء؟ وإن استطاعها عن « أيامه وأعوامه « فكيف يُصفِّيها من التداخل مع أيام الآخرين وأعوامهم؟ وهل يخسر حسناته من أجل من أحال عليهم سيئاته؟
من يرقب المشهد التأليفي يلحظ تراجع الشعر والرواية والقصة ، ونستنتج أنْ ستكونُ للسيرة الذاتية رايةٌ أعلى وحضور أغلى، ولكن كتابتها مرتهنةٌ بمن يطيق شروطها ويحتملُ جرأتها ولا يهاب صدقها ويحتمي بأخلاقه عن أن يَجهل أو يُجهل عليه، وما الظنُّ أن بلوغ هذه المرحلة من الشفافية ميسر، وربما تجيءُ الوسائط المرئية خطوةً متقدمة نحو اتخاذ القرار الحاسم بالنشر أو الطَّمر.
** العِيُّ وعيٌ أحيانا.