د.علي القرني
هل فعلا الولايات المتحدة الأمريكية تعمل جاهدة لحفر مستنقع لروسيا في سوريا كما حدث في أفغانستان في السبعينيات والثمانينيات الميلادية من القرن الماضي؟ هل أجهزة الاستخبارات الأمريكية تعمل فعلا على أن ترمي باتحاد روسيا الفيدرالية إلى مستنقع جديد هو سوريا؟ وهل فعلا هناك تخطيط أمريكي غربي على دفع روسيا إلى مثل هذا المستنقع، الذي لن تخرج منه منتصرة بأية حال من الأحوال؟
ومن شأن الدول العظمى أن تحفر لبعضها البعض في مستنقعات استنزافية تغرقها فيها حتى تضحي بالبشر والمال والأخلاق والقيم، وهذا ما حدث في أفغانستان حيث تزمت الاتحاد السوفييتي حتى دخل أفغانستان دفاعا عن نظام متوقع أن يكون في حكم المنتهي، إلا أن الطغمة الحاكمة في الكرملن كانت تفكر بطريقة استعمارية ونفوذ جعلها تتقرب شيئا فشيئا إلى أن انزرعت في المستنقع الأفغاني، وكانت الولايات المتحدة تصفق كثيرا حتى أشغلت الماكنة العسكرية السوفيتية في حينها بهذه الحرب التي استمرت سنوات إلى أن أنهكت الخزينة السوفيتية والجهد والفكر والرأي العام هناك، وأخيرا قررت الانسحاب دون أن يبقى لها أي أثر سياسي في نفوذ القوة الأفغانية، اللهم إلا تاريخ أسود وهزيمة نكراء.
ولا بأس أن أمريكا كانت تعمل بخلق مقاومة ودعمها سياسيا وعسكريا من أجل أن تكون الخسائر السوفيتية أكبر والتضحيات فادحة. وهنا يعيد التاريخ نفسه، فوجدت الولايات المتحدة فرصة ربما لهزيمة غير مباشرة لغطرسة بوتن في المنطقة، فهي تعلم أن غطرسة بوتن لن تسقطها إلى حرب دامية تدخل فيها روسيا وبقوة الغرور والعنجهية ولكنها تعلم علم اليقين أنه سيخرج من هذه الحرب السورية وهو خاسر على كافة الأصعدة، بما فيها سيخسر أولا من الرأي العام العالمي، ثم سيخسر لاحقا من الرأي العام الروسي.
سوريا كما هي الآن هي مستنقع جديد ليس في المنطقة فحسب، بل في العالم، فهناك أرواح بشرية تزهق، وأطفال يموتون، ونساء يرملون، وشيوخ يقتلون، وهناك دمار كامل للبنية التحتية لكل المدن السورية إذا لم تكن بالطائرات الروسية فهي بالبراميل المتفجرة لبشار الأسد. لم تعد سوريا كما كانت، ولن تعود أبدا كما كانت قبل الحرب، وذلك لأن رئيسها اختار الطريق الأصعب، والطريق الدموي، والطريق الانتحاري.
إن الولايات المتحدة أرادت لروسيا أن تظل وتبقى في هذا المستنقع الكبير، وأرادت لروسيا أن تفقد أي مبادئ أخلاقية، وتنتهك الأعراف الدولية، وتصبح شريكا مباشرا في هذه الحرب، ولم تحرك الولايات المتحدة ساكنا رغم أنه كان بمقدورها ولا يزال بمقدورها أن تفعل الكثير من أجل إنقاذ الشعب السوري. إن ما يحدث في سوريا هو لعبة أممية كبرى، تتبارى الدول العظمى في إسقاط بعضها البعض في هذا المستنقع الكبير. ونجحت الغرب أن يسقط روسيا في هذا المستنقع بحكم صفاقة رئيسها بوتن، وغروره وتعلقه بإعادة المجد السوفيتي.
إن المساندة والوقوف مع طاغية مثل بشار الأسد عبر قوة طائرات وصواريخ روسيا وبجنود إيران وحزب الله ومعهم مرتزقة باعوا أنفسهم للخزينة الخامنئية هي قضية خاسرة جدا حاليا وفي المدى المتوسط والبعيد، وسوريا المستقبل ستكون حتما بلا بشار الأسد وبلا أعوانه في الحكومة والجيش والشبيحة. وروسيا وإيران يقفون ضد التيار، وكما قال الشاعر (إذا الشعب يوما أراد الحياة، فلا بد أن يستجيب القدر)، والشعب السوري يريد الحياة، ولا بد أن يستجيب القدر بإذن الله في أن يخلع بشار من حكمه، ويقتلع نظامه ويبدد أعوانه..