إننا اليوم ونحن نحتفل بيومنا الوطني السادس والثمانين, لنمر بمرحلة وتجربة فريدة، نابعة من تلك الأصول الممتدة للكفاح والعمل الدؤوب، ورثها الأبناء من مؤسس هذا الكيان المغفور له الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، والتي يتجدد تأثيرها، وتسكن فؤاد كل مواطن وتقوده نحو نجاحات مستقبلية ذات نهج جاد لتحقيق رؤية طموحة، وتوجهات عظيمة على مستوى الوطن ومؤسساته بقيادة من حمل على عاتقة الامانة وأكمل المسيرة، العادل الحازم الأمين، ذو الرؤية الحكيمة، خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، المفكر المدرك لمنجزات الماضي، والمحلل لمعطيات الحاضر, ليجسد منها دعائم صلبة لخطط ورؤى غير مسبوقة واضحة المعالم مدعومة بالأدلة والارقام للوصول لتحقق الاهداف المرجوة، والتي تبشر بالخير وبمستقبل زاهر بإذن الله.
لقد واكب احتفالنا بيومنا الوطني السادس والثمانين لهذا العام, انطلاق الرؤية الاستراتيجية للمملكة (2030 KSA) رؤية لمنظور شمولي لكل المنجزات واعادة الاولويات لتحقيق الفاعلية والكفاءة في كل الاجهزة، بمشاركة كافة القطاعات الحكومية والأهلية وتوضيح مسؤولياتها، لتصبح في خط متواز، يتفق مع روح العصر ومتطلباته ويحقق التنمية المستدامة.
ان هذه الرؤية المنبثقة من ذلك الفكر المستنير، تشكل أساسا صلبا لمجتمع يملك كل مقومات النجاح، أساسه النهج الاسلامي القويم، القائم على الوسطية والقيم العريقة. هذه الرؤية قوامها العمل الجمعي الجاد المسؤول لمواجهة كافة التحديات وتحويلها إلى معطيات ايجابية ذات فعالية للاقتصاد والمجتمع السعودي, تساندها رؤية التحول الوطني 2020) ) لمتابعة تحقيق الاهداف المرحلية، وبناء القدرات، والمتابعة المستمرة للمشروعات الاصلاحية والتطويرية ودراستها واجراء التدخل السريع واعتماد ادوات فعاله لرفع كفاءة الاداء وضمان سرعة الانجاز للمشروعات وتحقيق الاستمرارية لمستوى التنفيذ والاداء على مستوى مؤسسات الحكومية أو القطاع الخاص أو الخيري والانساني لتحقيق الاهداف الاستراتيجية لرؤية المملكة، بحيث يتم تحويلها إلى واقع ملموس.
اننا اليوم كسعوديين ونحن نحتفل بيومنا الوطني، لنفتخر بالماضي ونجعله وساما على صدورنا وأبنائنا وأحفادنا, ذلك الماضي، منحنا أن نكون» نحن « يومنا الوطني هو تجسيد للمحبة والسلام والتلاحم والتضحية، وهو مضرب المثل للآخرين للصبر, والتحمل والعمل الشاق, ليتحول من مجتمع تحكمه الصراعات القبلية والتناحر والمنازعات والحروب والنهب والسلب قبل اكثر من قرن، إلى مجتمع موحد على الحب والسلام والتلاحم على يد المغفور له الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه، ليؤسس بذلك وحدة وطن، وتضامن شعب.
لقد وهبنا الله نعمة الحاضر لنستمتع بمنجزاته التي تحمل مؤشرات رؤى عميقة لمستقبل مشرق بإذن الله مليء بالطموحات والانجازات.
إن الإخلاص في النية والعمل المتفاني الدؤوب، يفتح افاقا من ابواب التوفيق والنجاح، فمنذ تأسيس هذا الوطن المعطاء على القيم الانسانية، والمملكة العربية السعودية تحتل مكانة عالمية مرموقة بين الأمم نظرا لما توليه من عناية ضخمة تجاه الحرمين الشريفين وخدمته والذي يتخطى كل المقاييس, كل هذه الخدمات، هي واضحة للعيان، فمشاعر الحجاج والمعتمرين ودعواتهم الصادقة للسعودية وقادتها وشعبها, لدليل واضح على الاعمال الجليلة التي تقوم بها المملكة العربية السعودية تجاه الاماكن المقدسة، وخدمة الزوار.
إن ما تصرفه المملكة العربية السعودية على توسعة وخدمة الحرمين الشريفين سنويا يفوق المليارات، ويعادل ميزانيات عدد من الدول مجتمعة. هذه الخدمات التي تقدمها المملكة, لا تنتظر مقابلها جزاء او شكورا من أي كان، وهي تؤدي واجبها ومسؤولياتها تجاه المقدسات وخدمة الدين والعباد بكل حب وامانة وتفاني واخلاص.
كما اننا في هذا اليوم نذكر انفسنا وابناءنا بالدور الريادي للمملكة العربية السعودية، حيث تتبوأ مملكتنا مكانة عالمية، من خلال تضامنها وتعاملها الصادق, ومساعدة المحتاج، ومحاربة المعتدي، والوقوف لنصرة المظلوم. فالمملكة لا تحتفظ بإنجازاتها بمعزل عن مشاركة الاخرين، وانما تقدم الدعم والمساعدة، ومد يد العون، والذي هو نابع من تعاليم الدين الاسلامي، والذي قامت عليه الدولة السعودية منذ التأسيس، وتقديم الدعم للدول المتضررة والمحتاجة كمساعدات انسانية، وعندما توسعت منافذ مساعدات المملكة الانسانية لدول العالم، صدر أمر خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان اطال الله في عمره، بتأسيس مركز الملك سلمان بن عبدالعزيز للأعمال الإنسانية، والذي هو دليل على عظمة برامج الدعم والمساعدات وبرامج الاغاثة. وقد جاء على لسان ولي العهد الامير محمد بن نايف حفظه الله في كلمته في الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السنوية (71) إن المساعدات الانسانية التي قدمتها المملكة العربية السعودية للدول المحتاجة والمتضررة بلغت اكثر من (139) مليار دولار، إلى جانب عملها مع منظمات الاغاثة للاجئين، وقد فتحت السعودية ابوابها للأخوة السوريين، ولم يتم التعامل معهم كلاجئين ولم يتم وضعهم في مخيمات ومعسكرات وأماكن معزولة، وانما هيأت لأكثر من مليونين وخمسمائة سوري للإقامة مع اخوانهم السعوديين، ومنحتهم حق الحرية للتنقل والعمل في مختلف مناطق المملكة، كما تم الحاق ابنائهم بالمدارس مع الطلاب السعوديين بالمجان، وهذا ينطبق على اشقائنا اليمنيين فهم ضيوف مكرمون معززون، هم واسرهم وابنائهم للعمل وتلقي التعليم والخدمات الصحية بالمجان, إلى ان تنجلي ازمتهم جميعا بإذن الله، ومن ثم يعودون سالمين لأوطانهم.
كما انه في يوم الوطن، لنجدها فرصة لنا ولأبنائنا وطلابنا ان نسترجع بعضا من سياسة المملكة الحكيمة، حيث ان السعودية دائما في تعاملاتها السياسية تؤمن بالحل الدبلوماسي السلمي ومنع النزاعات, إلا أن الاوضاع في بعض المواقف والاحداث تفرض امورا أخرى، كالوضع في دولة اليمن الشقيق, ووجود التعنت للمتمردين الحوثيين واتباعهم، وتخبط وإفلاس من يدعمهم من الايرانيين وحزب الله، وتمرد الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وتعنته وجهله، ومساهمته بتدمير بلاده، أدى أن تستجيب السعودية وأشقائها من دول التحالف لمطالب الحكومة الشرعية اليمنية بالوقوف إلى جانب اليمن وشعبه، لردع هؤلاء المتمردين من اليمنين، والذين فضلوا خيار الحرب والدمار على تحقيق الامن والسلام والاستقرار لأبناء بلادهم من اطفال ونساء وشيوخ، بلد عانى طويلا من اثار الحروب والنزاعات الداخلية بتأثير من قوى خارجية ترفض ان ينعم دول الجوار بالأمن والامان والاستقرار، والمصيبة الاعظم ان يسعى ابناء اليمن بأنفسهم بتدمير وطنهم وممتلكاته، وحرمان ابناء شعبهم من تلقي الدواء والغذاء والتعليم.
ونحن في يومنا الوطني السادس والثمانين، ندعو الله سبحانه وتعالى أن تنفرج أزمة إخواننا بالجمهورية اليمنية، ويستيقظ هؤلاء المتمردون من غيبوبتهم، والالتفات لبلادهم، ونبذ خلافاتهم وصراعاتهم، التي لن يجني منها الشعب اليمني سوى الخراب والدمار لأرضه ومؤسساته.
وبعيداً عن الصراعات، فإن المملكة العربية السعودية، وهي تحتفل بعيدها الوطني السادس والثمانين، لثرية بحب شعبها وتفانيهم في خدمتها، فهناك سواعد تحرس واخرى تربي وثالثه تعلم ورابعة تزرع، وخامسة تبني، وسادسة وسابعة... إلى اكتمال العقد المتوهج بكل خصال المواطن الحق الذي يؤدي دوره بكل أمانة وإخلاص، والذي يقف عند الشدائد مع أخيه المواطن، ويستر عورته، ويحب لأخيه ما يحب لنفسه، لا يظلمه، ولا يعتدي عليه، ولا ينتهك خصوصيته، هو الصادق، الأمين، المتسامح، المحب لمن حوله, لا يبعده عن حب أخيه المواطن اختلاف لطائفة او لون او قبيلة، يفتح صدره للذود عن جاره، ويتقاسم مع غيره لقمة العيش، واذا نقصت وهبها له، خصال يجمعها الانتماء، توارثناها عن الأجداد, ويفتخر الاباء بغرسها لدى الأبناء لتصبح وسما يميز انتماءهم لهذا الوطن العريق.
ولعظمة هذا اليوم الوطني، نبث رسائل تهنئة ومحبة، الاولى لحكومتنا الرشيدة ولقائد المسيرة، الحازم العادل سيدي الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله ورعاه، وأطال في عمره، لكم يا سيدي، وإلى ولي العهد محمد بن نايف، وولي ولي العهد محمد بن سلمان، حفظهم الله رسالة اجلال ومحبة وتقدير من شعبكم، الذي بادلتموه حبا بحب ووفاءاً بوفاء، خالص الامتنان لجهودكم ولعطائكم المستمر، وكل عام والوطن بكم يسعد، وكل عام ونحن بانجازات الوطن نحتفل، وفقكم الله وكلل أعمالكم بالنجاح والتوفيق.
كما نبث رسائل تهنئة يسطع بها سماء الوطن في عامنا السادس والثمانين، تحلق عاليا لتعانق السواعد المخلصة، الجنود البواسل المرابطة، ممن سهروا على خدمة وأمن الوطن وحمايته، أنتم فخر لنا، أنتم نموذج للمواطن, المقدام بجبهة القتال وفي الصفوف الأمامية، للدفاع عن الوطن وحماية مقدساته وحكومته وشعبه. فلكم منا كل الدعاء بأن يكلل الله رميكم، ويتحقق على أيديكم النصر, ونحتفل بعيدنا القادم بإذن الله، وقد عم الأمن والأمان والاستقرار جميع أرجاء المنطقة.
ورسالة حب وإجلال ووفاء من يوم الوطن لكل أم وأب سهروا على تربية ابنائهم، وقاموا على متابعتهم، وحرصوا على توجيههم وارشادهم، وجعلوا من انفسهم قدوة للمواطن الصالح، المحب والمتفاني، المخلص لدينه ووطنه وقادته وارضه، وعملوا على تربية ابنائهم التربية الصالحة، مما يجعل الوطن يفتخر بهم لعمق خصالهم وعظيم انتمائهم.
ولكل معلم ومعلمة أخلصوا النية في عطائهم، ولكل طالب وطالبة يتطلعون للرفعة والمعالي، ولكل مسؤول ومسؤولة اؤتمنوا على خدمة وطنهم فحفظوا الأمانة، ولكل مزارع تحول لهيب جسده إلى قطرات من العرق العذب تذوقنا لذتها في ثماره.. نقول لكم جميعا: كل عام والوطن بكم يفخر, كل عام وأنتم العقد النفيس، الذي بكم الوطن يتجمل، كل عام وأنتم حب الوطن وجوهره.
د. نورة إبراهيم السليمان - جامعة الملك سعود - كلية التربية - قسم التربية الخاصة