محمد أبا الخيل
كتبت في الأسبوع الماضي حول ما أعتقد أنه يُمثِّل عوائق يجب تداركها منذ الآن لإنجاح برنامج التحول الوطني, واليوم سوف أعرض فكري حول موضوعين ذوي صلة، ولا يقلان أهمية عن العوائق التي ذكرتها سابقاً في التأثير بنجاح برنامج التحول الوطني، الموضوع الأول يتعلق بحالة الشفافية المراد سيادتها في النشاطات والقرارات الحكومية، والموضوع الثاني يتعلق بالنزاهة في أعمال موظفي الدولة في مختلف المستويات في حال إنجازهم أعمال تمس مصالح المواطنين بصورة مباشرة، وكلا الموضوعين متعلق ببعضه فالنزاهة تزدهر في بيئة الشفافية والشفافية تستلزم النزاهة لتكون شفافيتها خالية من الشوائب.
منذ أن أُقر قانون حرية المعلومات في الولايات المتحدة الأمريكية عام (1966م)، وما تبع ذلك من قيام عدد من الدول الغربية بسنّ قوانين مماثلة، منذ ذلك الحين بات الحديث عن (الحكومة المفتوحة) يشغل الفكر الأكاديمي والحقوقي والسياسي وأصبح ذلك التعبير مطلباً يضغط على السلطات التشريعية لسنِّ نظم وقوانين تكرّس السلطة الاجتماعية في الاستعلام والاستقصاء حول نشاطات وقرارات الحكومة ومحاسبة الحكومة بناء على ما ينكشف من مخالفات، هذا الواقع جعل كثيراً من الحكومات تبادر في وضع تنظيمات ومعايير تصنف نشاطاتها وقراراتها من حيث قابليتها لإطلاع العموم، وحتى تلك التي تُوصم بالسرية أصبحت سريتها محددة بضوابط زمنية أو ظرفية، وهذا ما أصبح يُعرف حديثاً بـ (الشفافية الحكومية)، وأصبحت الشفافية تنطوي على مفاهيم تكرّس الانفتاح والحد من السرية ضمن معايير مقننة ومفاهيم تنص على المحاسبة والعقاب لمن يخالف النظام أو يتستر على ذلك.
في برنامج التحول الوطني تم إبراز أهمية الشفافية وأتت بعض المبادرات بما يتوافق مع مبدأ الشفافية، ولكن الشفافية ليست قرارات ولا تشريعات فقط، الشفافية مفهوم حقوقي بالدرجة الأولى، فمتى أدرك المسؤول أن المواطن صاحب حق في الاطلاع على نشاطات إدارته وقراراته للاطمئنان على اتّساقها مع نظم الدولة وتشريعاتها وحقوق ولاية الأمر فقد أصبح تطبيق الشفافية في إدارته أمراً يسيراً، أما إذا كان مغرماً بالسرية حتى ولو كانت تقييم أداء موظف في المرتبة الخامسة فلن يستطيع أن يدعم الشفافية أو يلتزم بحدها الأدنى، الشفافية تستلزم أن تكون مؤسسات الحكومة على صلة يومية بالجمهور من خلال تصريحات مسؤوليها وبياناتها الإعلامية وإعلاناتها وأن يكون لها موقع على الإنترنت يحدث بصورة آنية ليعكس أخبار ونشاطات المؤسسة، لذا يجدر بكثير من المؤسسات الحكومية تمكين إدارتها الإعلامية بالقدرات والإمكانات المناسبة.
النزاهة هي أخت الشفافية من حيث الأهمية في إدارة شؤون الحكومة وخدمتها للمواطنين، وهي قيمة إنسانية سامية ارتبطت دائماً بمكارم الأخلاق والتديُّن وهي عفة في النفس عما يخدش المصداقية والكرامة والمروءة، فالرجل النزيه رجل عادل في ذاته عارف لواجباته ومدرك لمسؤولياته, لذا يأنف من ظلم الناس ولو اقتدر، ويدرأ الشك والظن باليقين ولو كلف عليه ذلك، ويعف عما هو ليس من حقه وإن دان قطافه. الرجل النزيه نزيه بجوهر فهمه ونقاء فكره.
قد يكون للنزاهة قدوة حسنة يهتدي بها من أشكل عليه رؤية خلل غيره فبات حائراً بين الارتهان للمنافع والصنائع أو الانعتاق من عتاب الضمير والرهبة من سوء المصير، معظم الناس الذين أخلّوا بنزاهتهم، كانوا نزيهين في البداية حتى أفسدهم الطمع وضعف الرقابة واستدراج المنتفعين المفسدين. لذا وحتى نعزز من النزاهة لا بد من تعزيز الشفافية، فالفاسدون لا تزهر تجارتهم إلا في ظلام السرية والتخفي.
نسأل الله أن يجعل هذه البلاد خير مثال للشفافية والنزاهة فهي حَرية بذلك كدولة عظيمة في دورها ومكانتها وكشعب مخلص طاهر من دنس الآثام.