د. جاسر الحربش
بعيدًا عن السياسة وعلاقة الحكومات، مشاكل الاقتصاد المصري تصيب أولاً المواطن المصري، وهو مواطن شقيق عزيز. الصادرات الزراعية المصرية للعالم تقدر بحدود خمسة وعشرين مليار دولار في السنة. للأسف، شاركت التواصلات الإلكترونية عندنا في التحذير من المنتجات الغذائية المصرية، الذي خرج من الولايات المتحدة الأمريكية. الترهيب الشبكي المحلي من الأغذية المصرية لم يكن عادلاً، علاوة على أنه يفتقد تبريرات المقارنة بسلامة المنتجات الغذائية العالمية، ومنها المحلية أولاً، قبل المقارنة بمنتجات غذائية مستوردة من دول أخرى. والمقارنة تتطلب الاطلاع على الدراسات والإحصائيات المتاحة.
المقارنة ليست عادلة ولا مبررة لأسباب عدة. الصادرات الغذائية المصرية جزء واسع الانتشار من الاقتصاد المصري، وموجودة في أغلب أسواق العالم. إعلان اكتشاف الفيروس الكبدي من فئة أ في الفراولة المصرية وبعض الملوثات الكيميائية في مشتقات الألبان المصدرة خبر بدأ وانتهى في أمريكا، وليس في أي بلد آخر. حوادث التلوث الغذائي والدوائي في المنتجات الغذائية الأمريكية أكثر من أن تُحصى، وعلى رأسها التلويث التسويقي العمد للمأكولات والمشروبات السريعة بالمنكهات والأصباغ والمسرطنات. حدث تكرارًا أن سُحبت عبوات دوائية وغذائية أمريكية من مراكز التسوق بعد أن ثبت وجود البكتيريا البرازية فيها، ومنها عبوات حليب الأطفال ومسكنات الألم، لكن - والله أعلم - الإعلان المذكور عن مصر لو صدر من دولة غير أمريكا لما انتبه له أحد من المغردين ولا (المتوسبطين).
الأمر الآخر هو أن الإعلان الأمريكي عن تلوث صادرات الأغذية المصرية تحديدًا يجب أن ينظر إليه من زوايا عدة، منها التنافس على السوق الأمريكي محليًّا وعالميًّا. تأكدوا أن أي تلوث يُكتشف في صادرات إسرائيلية في السوق الأمريكية من الصعب أن يجد طريقه إلى الإعلان. لو كان الإعلان هذا جاء من دولة غير أمريكا لما تنبه له العرب، ونحن منهم. علمًا بأن هيئات الغذاء والدواء العربية لم تعثر على شيء من هذا القبيل، ولم تعلنه، بل إن هيئة الغذاء والدواء السعودية برَّأت المستوردات الغذائية المصرية من تهمة التلوث، لكن الرهاب انتشر محليًّا؛ لأن مصدره هو من هو في السطوة والانتشار وضخامة السوق.
الأهم من ذلك كله أن حوادث التسمم الغذائي عندنا من منتجاتنا الغذائية المحلية أصبحت منذ زمن طويل من الأحداث شبه اليومية المتعايش معها إحصائيًّا ووقائيًّا. الأطنان من الخضراوات والتمور واللحوم والفواكه السعودية المستنبتة في مستنقعات مياه الصرف الصحي، وآلاف حالات التسمم الغذائي بالمبيدات والميكروبات، لماذا لا ينتشر الترهيب والتحذير منها، وتُشن ضدها الحملات الطبية والشرعية والقانونية لحل المشكلة المحلية من الأساس؟ مستنقعات وغدران وقنوات الصرف الصحي هذه هي على مرأى الأبصار في أكثر من مدينة وقرية، وآلاف الزراع والمتاجرين بها من العمالة الأجنبية منتشرون في كل مكان، وروائح مياه الصرف الصحي تفوح حتى من البقالات وأسواق الخضار.
رجاء، عاملوا المنتجات الغذائية المصرية على الأقل بمثل ما تعاملون به منتجاتنا المحلية، ولا يستخفن بكم الإعلام الأمريكي، على الأقل في مجال التبادلات التجارية العربية البينية.