د.فوزية أبو خالد
1 - يوم في الرياض
بمقر الأمم المتحدة
في مدينة نيويورك
ليس سهلاً أن تنقل طيفًا عريضًا بل ممثلاً لكل شعوب العالم من مدينة صاخبة بالبشر من كل أصل ولون وشكل ومشرب وثقافة، كمدينة نيويورك، لترتحل بها في دقائق إلى مدينة تتربع بكامل زينتها الحضرية في قلب الصحراء إلا إذا كنت تملك بساط ريح، أو تملك عفريتًا من عفاريت سيدنا سليمان - عليه السلام - أو في حالة نادرة أن تكون مهجوسًا بالقلق في القرن الواحد والعشرين مشغولاً بهدف التصدي لهذا القلق بشكل حضاري وسلمي، ويكون لديك خيال سياسي، وعندك فريق من الخبراء و»الخبل» بالمعنى الشعبي الإبداعي لـ»الخبالة»، فيحولون حلم الارتحال بنيويورك وعينة من أمم الأرض إلى مدينة الرياض إلى حقيقة واقعة في طرفة عين.
وهذا ما حاولت أن تجترحه الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض بشراكات عدة مع وزارة الخارجية والوفد الدائم للمملكة العربية السعودية لدى الأمم المتحدة ومركز الحوار الوطني ووزارة الاقتصاد والتخطيط. وتمثل ذلك ببرنامج ما سمي «يوم في الرياض»، الذي أبدعت إنتاجه فنيًّا شركة بوريس ميكا بتعاون مع مبدعين أجانب وسعوديين وعرب. فما هو يوم في الرياض؟
يوم الرياض فكرة اجتهادية، لا تخلو - كما قلتُ - من خيال إن لم يكن الخيال مكونًا من مكوناتها الأساسية، أرادت أن تقدم صورة المملكة العربية السعودية إلى العالم في هذه اللحظة الحرجة والمجرحة من تاريخ المنطقة العربية بالحروب وتهم الإرهاب وحروبه, بطريقة سلمية وحضارية مبتكرة، بحيث لا تقع في خطابية الإعلام الرسمي التقليدي في الوقت نفسه الذي تخرج فيه على التنميط الذهني الغربي.
وبما أن المملكة - على ما يبدو - تستشعر تقصير إعلامها الرسمي في تصحيح صورتها الخارجية، خاصة في التصدي لمختلف صور الاستقصاد التي باتت تتعرض لها المملكة في الإعلام الخارجي عمومًا، والأمريكي خصوصًا، فقد جاءت فكرة وبرنامج يوم في الرياض في إطار سياسي وإداري ودبلوماسي من خارج دائرة الإعلام. وهذا أعطاها طموحًا ألا يكون (يوم في الرياض) نوعًا من الدعاية والإعلان لمديح أو إطراء المملكة وحكومة المملكة، مما لم يعد أسلوبًا مقبولاً أمميًّا، بقدر ما يرام أن يكون تصويرًا حقيقيًّا ومحلقًا في الوقت نفسه عن واقع المملكة من خلال واقع مدينة الرياض عمرانيًّا وبشريًّا وحضاريًّا كعاصمة سياسية للمملكة.
وقد عبَّر عن هذا المنحى أن فعالية (يوم الرياض) جاءت بتنظيم من الهيئة العليا لتطوير مدينة الرياض، بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين شخصيًّا، وبإشراف مباشر من أمير منطقة الرياض الأمير فيصل بن بندر.
غير أن من له تجربة في العمل بالأمم المتحدة أو مع أحد منظماتها يعرف - كما أعرف من تجارب استشارية معهم - أنه ليس من السهل أبدًا تأمين موقع في المبنى الرئيسي لهذا المقر الأممي ليكون مسرحًا حيًّا بالصوت والصورة لتجسيد مدينة الرياض كمدينة من لحم ودم. فلا شك أن قيادة الوفد السعودي الدائم لدى الأمم المتحدة وكوادر عملهم الدبلوماسي والإعلامي من الشباب السعودي العامل هناك قد لعبت دورًا بارعًا من خلال وجودهم التفاعلي اليومي مع الأمم المتحدة في حصول المملكة على ذلك الموقع. ولا بد أن تزامن (يوم في الرياض) مع احتفائية الوفد السعودي الدائم بمناسبة اليوم الوطني من ناحية، وحضور المملكة السياسي والدبلوماسي للدورة الحادية والسبعين للجمعية العامة للأمم المتحدة، ممثلة سياسيًّا بحضور ولي العهد الأمير محمد بن نايف، ودبلوماسيًّا بحضور وزير الخارجية، قد أضاف للحضور الأممي حضورًا سعوديًّا وعربيًّا حيًّا من المقيمين بمدينة نيويورك. لقد تابعت عبر تويتر وعبر الموقع الإلكتروني لـ(يوم في الرياض) بعضًا من مشاهد بساط الريح الإلكتروني لأحب مدن العالم إلى قلبي، وكنتُ قد تابعتُ قبلها بعضًا من لقطات كواليس عمل الفريق الفني في مرحلة التكوين، ومن خلال مستوى المتابعة، ولا أستطيع إلا أن أقترح أن يوطن (يوم في الرياض) بمتحف الملك عبدالعزيز الوطني؛ ليستطيع سكان الرياض وسواها من بقاع المملكة من مواطنين ومقيمين التعرُّف على الجمال الشااااهق والمسالم معًا لهذه المدينة، الذي يختبئ خلف تعود البصر وخلف الشبوك، أو أي شكاوى أخرى لا بد من شراكات التفكير بها بصوت مسموع وحلها. كما أقترح أن يجري السعي لتوطين نسخة منه في واحد من المتاحف العالمية أو أكثر؛ ليكون رمزًا دائمًا لعمران الرياض، خاصة أن (يوم في الرياض) وإن كان يحتفي باللحظة التنموية الراهنة فإنه يتوغل في قراءة المدينة من العام 1950، ويمتد إلى مستقبل دولة ومجتمع.
******
2 - لا تخافي لا تخافي
نحن أبطال المطافي
لا أستطيع أن أنهي هذا المقال دون أن أترك حيزًا منه لأقف وقفة احترام خاصة، أوجِّه فيها التحية لشبابنا السعودي العامل ميدانيًّا على خدمة الناس البسطاء من الشعب مثلي. فلحالة طارئة مررتُ بها في بيتي، كادت تسبب حريقًا - لا سمح الله - اتصلت برقم الطوارئ 998، وشرحت لهم بصوت مشوب بالفزع الحالة. فما كانت إلا أقل من سبع دقائق حتى وصلني فريق الإنقاذ.
صحيح أن المسؤول سألني بالبداية على الهاتف إن كان بالبيت محرم، وعمن باسمه البيت، إلا أنه بمجرد أن عرف أنني أستاذة بالجامعة، ومعي أطفال قصر بالبيت، أبدى تقديرًا وتفاعلاً سريعًا مع احتمال أن يكون هناك خطورة في الحالة.
بادر فريق العمل الجاد والمحترف بهدوء ومهنية عالية بالعمل إلى أن اطمأنوا تمامًا إلى أنهم يتركوننا في حالة من الأمان والسلام.
فشكرًا لطوارئ 998، وشكرًا لفرقة م 67 لمركز الياسمين المكونة من الشباب النابه النبيل عبدالله سعد الحبابي وسعيد مطلق السبيعي وإبراهيم سعيد اليامي - جزاهم الله عني وعن المجتمع السعودي خير الجزاء - فهم وأمثالهم فخرنا الوطني الخالد.