أمل بنت فهد
أجمل من حديث الحكيم إنصات الأذكياء.. وقليلاً ما يخسر المُنصت.. لأنه يستطيع أن يدافع رغبة التحدث والمقاطعة.. فهي رغبات ملحة والتحكم بها ليس سهلاً.. ومن جهة أخرى فرص إحراجه ضئيلة.. والأهم من ذلك كله أنه سيكون ملماً تماماً بأطراف القضية.. غالباً سيكون العالم الأكبر بالحقيقة.. على عكس أخينا صاحب المقاطعة.. المستعجل والمتعجل.. كأنما يخاف أن تفلت منه الفكرة وينسى ما كان يريد طرحه.. هو حرفياً يعيش سباقاً دون نهاية.. مشتت ونتيجة الحوار معه دون نتيجة.. فإما أن يُفض النقاش لأنه يتحول بقدرة «مرجوج» إلى جدال.. لأن مقاطعة المتحدث مستفزة.. أو أنه لن يفهم ماذا يريد أن يقول الآخر فالحديث حينها أشبه ما يكون بدوران وتكرار دون هدف.
في مجال الحديث العابر لن تتعب معه لانعدام الأهمية.. لكن إن كان أمره يهمك.. أو القضية موضع النقاش مهمة.. فأنت مضطر أن تتعلم كيف تعيده في كل مرة إلى الموضوع الأساسي.. وأن تساعده حين يفقد البوصلة ويقفز من فكرة إلى فكرة.. وحتى لا تكون أمام عدة ملفات مفتوحة.. صبرٌ جميل إلى أن تأخذ إجابة.. ولا تنسى أن تكرر عليه إجابته.. لتتأكد أنه يقصدها فعلاً.
هو ليس معتل.. لكنه مزدحم بالأفكار والتصورات.. يصعب عليه أن يبقى في ذات السياق إلى النهاية.. لأنه يعيش مقاطعة تصورات مستمرة داخل دماغه.. وينقلها إليك في حديثه.. مثله مثل أوراق رواية مبعثرة دون ترقيم أحياناً وعليك جمعها.. لا تغضب منه فإنه ليس متلاعباً ولا «يستعبط» كل الحكاية أنه مشتت.
متى تفهم نوع المتحدث أمامك.. إذا استمعت له.. وأنصت جيداً.. وكررت في سرك تساؤلاً مفاده ماذا يريد أن يقول؟ لأننا حين نعبر عن الفكرة فنحن نحاول أن نشرح الصور التي تكونت في أذهاننا.. ولكل إنسان قدرة خاصة ومحدودة في الشرح.. وكذلك مخزون لغوي يمكن أن يسعفه.. أو فقر لفظي يمكنه أن «يورطه».
وأحياناً يقاطع حديثك لأنك تدخل في تفاصيل مملة أو غير مهمة.. تأخذ من وقت الآخر.. واضطراراً ينهي حديثك التوسعي بقرار قطعي.. فانتبه حتى لا تغرق في حديثك وتشرق به.. تعلم كيف تكون مباشراً ولبقاً قبل أن تشعر أنك مهمش.. فالتحدث له أدبه وأصوله.. وفرص تفوت من كان تركيزه على ذاته وصوته فقط.
تعلم وعلم من تُحب.. الحوار يأسر القلوب.. ويحطم المعنويات.. وفيه من الرسائل التي تشي بثقافتك ومكانتك وتوجهاتك.