فوزية الجار الله
لا أعلم حقيقة في أي ساعة بدأت مشاعر الحنين على هذه الأرض؟ ولا أعلم في أي مفازة أو وادٍ خُلقت مشاعر الاشتياق الأولى؟ لكنني أعلم جيداً بأنها قد تفاجئ أحدنا ذات سهو، وربما ذات فرح استثنائي عندها يلامس روحه المعنى الحقيقي للعقل والروح، للإنسان وللأثر العميق الذي تخلقه المسافات.
حين تبتعد عن أرضك وسمائك التي اعتدتهما، حين تأخذك الأيام والظروف وطبيعة الحياة بألوانها المتناقضة إلى موقع آخر بعيداً عن وطنك، هنا تصافحك الأسئلة: أي الوحدة أقسى وأشد؟ أن تكون وحيداً في وطنك، بين أهلك وذويك، أم أن يجتاحك هذا الشعور وأنت بعيد عن تلك الأرصفة والشوارع والأرض التي تخفي بين جنبيها ذكريات طفولتك؟ قد يختلف شعور الوحدة هنا وهناك لكنك أنت وحدك القادر على سعادة أجمل أينما كنت، وحيثما استقرت مرساتك؟ لعل من المؤلم أن تعيش غربة ووحدة وأنت في وطنك لكن ذلك الشعور يبدو أكثر حميمية حين يحتويك وطن آخر خلاف وطنك، هذه الحميمية تأتي لإحساسك بأن الوحدة الجميلة المحرضة والفاعلة هي اختيارك الحقيقي، فهي توفر لك صفاء ذهنياً وروحياً قد لا يتوفر داخل بيتك المعتاد (أشعر بأني أقل وحدة حين أكون وحدي) عبارة شهيرة قالها شكسبير.
*********
** يحدث أن تفتقد أشياء كثيرة عزيزة على قلبك، قد تفتقد وجوهاً أحببتها وعاشرتها زمناً، وقد تفقد بعضاً من الصداقات، وقد تشعر في لحظة بأنك قد أصبحت مثلما ريشة في مهب الحنين، تبحث عن انتماء ما، ينأى بك عن قسوة الصقيع وشحوب الأيام، إنه هنا أقرب إليك من نبض قلبك ورفة جفنيك، أن تُبحر بين دفتي كتاب، هنا تهدأ روحك وتحتويك أجمل أحلامك التي ظننتها في لحظة قد غادرتك إلى الأبد.
** وجدت نفسي مؤخراً في أرض أخرى، تفصلني مسافات عن وطني الحبيب، ثمة ضجيج وصخب حولي والأصعب أنني لا أفقه ما يقال هنا وهناك بسبب حاجز اللغة، لأكثر من مرة أزور هذه المكتبة فلا أجد ما أريد، معظم الكتب باللغة التركية، لم أفقد الأمل، كانت الشمس على وشك المغيب حين دلفت إلى تلك المكتبة ذاتها، آه.. ها هو.. أخيراً وجدته/ كتاب إليف شافاك / الكاتبة التركية (قواعد العشق الأربعون) باللغة الإنجليزية، لابأس سوف أقرأه باللغة الإنجليزية وإن كنت أفضل العربية فهي الأجمل والأعمق والأقرب لروحي، هذا الكتاب يبدو رائجاً مقروءاً بشكل واسع من قبل كافة الفئات.