خالد بن حمد المالك
استدعت الطفرة الاقتصادية التي صاحبت ارتفاع أسعار النفط، وزيادة إيرادات الدولة، إلى تمتُّع موظفي الدولة بمرتبات عالية، ومكافآت كبيرة، وعلاوات متواصلة، وكانت هذه المزايا من ضمن الحلول لمعالجة تأثير ارتفاع الأسعار على متطلبات حياتهم المعيشية، وحرص الدولة على حماية موظفيها باللجوء إلى الإكثار من المزايا المالية التي يتمتع بها منسوبو الحكومة، أما وقد انخفض سعر برميل البترول إلى ما دون النصف، وبالتالي نقصت إيرادات الدولة إلى ما يعادل ذلك، فكان لا بُدَّ من مراجعة شاملة ودقيقة لتقصي الحلول التي تلغي الزوائد في المستحقات المالية للموظفين دون أن تؤثر في حياتهم المعيشية، ضمن ترشيد حكومي صارم شمل الكثير مما كان يصرف في ظل سنوات الطفرة.
* *
القرار لم يستثنِ الكبار في سلم وظائف الدولة، فقد مس الوزراء ومن في مرتبتهم، وأعضاء مجلس الشورى، وظهرت العدالة بشكل جلي في قرارات مجلس الوزراء، وكذلك في الأوامر الملكية، وربما احتاج الأمر مستقبلاً إلى قرارات أخرى مما هي (ربما) في وضع المراجعة والدراسة، فمثلما خُص الموظفون بمزايا كثيرة ورواتب عالية في سنوات ارتفاع أسعار النفط، وكان هذا مبرراً ومقبولاً، فإنَّ إعادة النظر في كثير مما كان يَتمَّتع به الموظف مع انخفاض أسعار النفط هو الآخر مبرر ومقبول، وقد جاءت ردود الفعل مرحبة ومتفهمة، لكون هذه القرارات لامست في كثير منها ما هو خارج الراتب الأساسي من المزايا التي لم يكن يتمتع بها إلا عدد محدود من المنتمين لأجهزة الدولة.
* *
يفترض مع صدور هذه القرارات، أن تنخفض أسعار السلع والمواد، وأن يتفهم التجار ورجال الأعمال أنهم أمام مسؤولية وطنية، دورهم فيها أن يكتفوا بهامش قليل من الربح، وأن يستشعروا بمسؤوليتهم في ظل هذه القرارات التي صدرت إما بأوامر ملكية أو من خلال مجلس الوزراء، على أن الأجهزة المختصة في الدولة عليها مسؤولية كبيرة في مراقبة السوق، وعدم السماح بتحكم التجار بالأسعار لتحقيق أرباح كبيرة على حساب المواطن وتحديداً موظف الدولة الذي فقد بهذه القرارات نسبة مما كان يتقاضاه من الدولة، ما يعني أن على المتنفذين في توجيه أسعار السوق، أن يراجعوا سياساتهم ومواقفهم، بما يتماشى مع المستجدات والظرف الذي تمر به المملكة.
* *
ربما تلجأ بعض الشركات والبنوك والمؤسسات إلى قرارات مماثلة، لأنّها هي الأخرى تعاني من نقص في إيراداتها، بسبب هدوء السوق، وقلة الأعمال المتاحة، وتأثرها من نقص إيرادات الدولة، وبالتالي محدودية المشروعات التي تطرحها الحكومة مقارنة بما كانت عليه من قبل، الأمر الذي يجعل من أي قرار قد يصدر منها أو من بعضها، متوقعاً، ومتأثراً بالوضع العام، وبما صدر عن الدولة بشأن موظفيها، على أن قرارات الحكومة، أو الشركات إن صدر عنها ما يماثل ما صدر من أوامر ملكية، ومن مجلس الوزراء، هي قرارات تنتهي بزوال أسبابها، متى ارتفع سعر برميل النفط إلى المستويات المعقولة، وهو ما يتوقعه بعض الخبراء والمحللين في العام القادم.
* *
على كل حال، المملكة كما هي الدول النفطية الأخرى في منطقتنا وفي غيرها، ممن تعتمد على سلعة واحدة ومورد واحد هو النفط، تأثرت كثيراً بانخفاض أسعار البترول، ولعل رؤية المملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني 2020 المنبثق عن الرؤية تكون قادرة على إيجاد موارد أخرى غير النفطية لمعالجة هذا النقص في إيرادات الدولة، وانعكاسها السلبي على برامجها وخططها التنموية، مما استدعاها إلى أخذ القرارات الصعبة من وجهة نظر البعض لمواجهة هذه التطورات، وإن كنت لا أرى في الأوامر الملكية ولا في قرارات مجلس الوزراء أنها قرارات صعبة، كونها لامست الزوائد، ولم تنل من الأساسيات، وكونها في نسب محدودة تعد أقل مما أضيف إلى الرواتب في سنوات الطفرة.