يوسف المحيميد
منذ أن تورطنا بمواقع التواصل الاجتماعي، ونحن نبحث عن الفوائد والتواصل بين الناس، ونفرح حينما نجد ميزة من المزايا، وحتى حين نذكر العيوب نتحدث عن انصراف الناس عن بعضهم في المجالس واللقاءات، وانشغال كل شخص بهاتفه المحمول، يتحاور مع الآخرين البعيدين عنه، أكثر مما يتحاور مع من يجلس بجواره، هذا صحيح، لكن الأكثر إيذاء في الأمر، أننا اعتدنا ما لم يكن عادياً أبدًا، انتهكت المشاهد البشعة المؤذية فطرتنا الإنسانية، نشاهد مقاطع الموت والقتل والتعذيب يوميا، حتى اعتدنا ذلك!
هل يعقل أن نشاهد الجثث أمامنا في الظهيرة، ثم نجلس على مائدة الغداء؟ هل نحن أسوياء ونحن نشاهد مقطع موت طفل أو طفلة، ثم نأخذ رشفة من كوب القهوة؟ أو ونحن نضع سماعات الأذن، منسجمين مع موسيقى هادئة أو أغنية عاطفية؟ أي تشظٍ لعواطفنا؟ وأي تبلّد يملأ أحداقنا وقلوبنا؟
من يصدق أن أطفالنا، الذين كانوا يخشون رؤية الأضحية عند ذبحها، أطفالنا الذين يخشون منظر الدم، أطفالنا الذين يصابون بنوبة بكاء عند خلع السن، أطفالنا الذين يكاد الواحد منهم أن يتقيأ عند شم رائحة الأدوية أو المخدر، أصبحوا يقلبون في المقاطع المؤلمة، مقاطع الموت والرصاص، دون أن يرف لهم جفن؟
هل هو الجيل الرقمي، الذي سيُصبِح جيل الدم والموت والرصاص؟ هل هو الجيل الرقمي الذي اخترعوا له جميع أشكال وأيقونات الحب والورد، ومع ذلك اختلطت أمامه الحياة والموت، فلم يعد يميز بين الحب والحياة والحرب والموت؟ هل من طريقة توقف الموت في أجهزتنا المحمولة؟ هل من بيننا من يتجاوز هذه المقاطع فلا يشاهدها، ولا يمررها للآخرين؟ هل سيبقى شيئاً من رائحة الذين يبكون على علاقة حب تقطعت أوصالها فجأة، وهم يشاهدون دراما ورومانسية على الشاشة الفضية الصغيرة؟ أم أن الجيل كله اصطبغ برائحة القتل الموت، حتى بتنا نجزم بأنه لم يعد في الحياة شيء أرخص من الموت!