إبراهيم عبدالله العمار
قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: «مَا يُصِيبُ الْمُسْلِمَ مِنْ نَصَبِ وَلا وَصَبٍ وَلاهَمٍ، وَلا حَزَنٍ وَلا غَمٍّ، وَلا أَذًى، حَتَّى الشَّوْكَةُ يُشَاكُهَا، إِلا كَفَّرَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا خَطَايَاهُ».
هل تعلم ما يجذبني في هذا الحديث؟ إنه كون النفسية البشرية تختلف من شخص لآخر، ومعايير الألم تختلف. كنت عند طبيب أسنان وتحاورنا عن موضوع ألم الأسنان (وهو كما هو معروف من أشد الآلام الشائعة)، وكان مما قاله إنه رأى في دراسته الطبية قصة عجيبة لأحد المراجعين، فكان هذا الرجل ذو مستوى تَحمُّل للألم مدهش، حتى إن طبيبه كان يحفر ضرسه ويعالج العَصَب بلا تخدير، ولم يعبأ الرجل أبداً!
هل تتخيل المصيبة لو كان هناك تعيين لدرجات الألم التي يُثاب عليها الشخص؟ مثلاً ماذا لو كان الشخص لا يؤجر إلا على ألم شديد؟ ماذا لو كان أشد الناس تحملاً – مثل ذاك المراجع – هو المعيار الذي يُقاس به بقية البشر؟
قرأت كلاماً ذات مرة يقول صاحبه أنه يعاني كل يوم إذا رأى شيئاً قبيحاً، فإذا رأى شخصاً ذا لباسٍ سيء آذاه هذا جداً. يحب رؤية الجمال والتناسق دائماً، وإذا لم يرَ هذا اعتبر نفسه في معاناة نفسية يومية. قد تقول إن هذا الشخص يبالغ لكن كما رأينا فإن نفسيات الناس ونظراتهم للحياة تختلف بشدة وليسوا على معيار واحد.
لهذا على كل شخص يشعر بأي نوع من الضيق أو الحسرة أو الحزن أو الكآبة أن يعلم أن الأجر على قدر الألم، فهناك شخص يتحمل ألماً شديداً على كل الناس مثل حفر الضرس بلا تخدير ولا يرى فيه أي ألم ولا معاناة، وشخص يشعر بضغط نفسي يراه أكثر الناس بسيطاً لكن هذا الشخص يراه أليماً، والثاني هو الذي يؤجر إن شاء الله، حتى لو رأى أكثر الناس أنه يهوّل أو يبالغ. شخص سقطت صخرة على ساقه فأوجعتها، يتألم لكن لا يبالي بعد زوال الألم، وشخص يأتيه شيء أهون عند الناس، مثل ذكرى أليمة لا يستطيع أن يتخلى عنها، تظل تراوده وتتراءى له وتلح عليه، تملأ قلبه حزناً، فلعل هذا الشخص أعظم أجراً من ذاك الذي سقطت الصخرة على ساقه.
هذه المرونة في توزيع الأجور لهي من أعظم الآمال التي أنعم الله بها علينا.