د.ثريا العريض
نقف على مشارف العام الهجري الجديد، ونغص بالتهنئة؛ إذ حال المسلمين لا تسر.
أمام وضع متأزم عالميًّا، خاصة لمن ينتمون للهوية الإسلامية، كدنا نصل إلى حيث يحاول كل مسلم أن يخلع عن نفسه تهمة التطرف والتخلف والإرهاب التي أمست لازمة، ألصقت بالجميع، فجعلت من الالتزام بمظاهر الدين الإسلامي دعوة مرعبة للتهجم والإقصاء من قِبل الآخرين.
وجهان لعملة واحدة.. وازدواجية يمارسها الطرفان، كل ضد الآخر، ويرفضونها من الآخر ضدهم. هي بلا شك فرصة لكل من يريد أن يصطاد في الماء العكر. بيننا - نحن المسلمين - من يتسلق على مظاهر التدين شكليًّا؛ ليرسم نفسه بطلاً بملايين الأتباع مستخدمًا شعارات الإقصاء لغيره من الأديان والمذاهب. وبينهم - غير المسلمين - من يجمع حوله الأتباع مستخدمًا وسيلة ناجعة، هي المناداة بشعارات رفض «أسلمة» مجتمعهم.
لعبة قاتلة، ليس فيها طرف منزه, سلاحها نشر الكراهية والإقصاء والغلو في رفض الآخر. وهي إشكالية عبثية كسؤال البيضة والدجاجة، كل يلصق بدأها بالآخر: يصنفون سببها بغلو فينا تصاعد فصار إرهابًا دمويًّا قاتلاً.. ونصنف سببها بأنانية وانتهازية فيهم، لم ترَ في غيرهم غير فرصة للاستغلال ماديًّا واقتصاديًّا، وهيمنة سياسية تصاعدت فجعلت العالم الذي استعمروه وأكلوا خيره قديمًا جحيمًا يمور باللاجئين، يهربون من جحيم الرفض والإقصاء والفقر والموت في أراضيهم، عبر قوارب مكتظة؛ ليغرقوا بالمئات في بحار قاسية، تلفظهم جثثًا على شواطئ غريبة، ترفض استقبالهم إن نجحوا في التسلل.
من يلوم المجتمعات والحكومات الغربية التي ترفض إشراع بواباتها لآلاف اللاجئين، يندس بينهم إرهابيون مرضى نفسيًّا مبرمجون بالغل والغضب؟ ولن نلقي باللوم مثلهم على ديننا الحنيف الذي ارتهنه البعض وحوّلوه إلى مشروع أمة من الخوارج، تحكم بإعدام كل من لا يرى رأيهم وتوجههم المريض.
ندخل العام الهجري 1438 وعقلاؤنا يحلمون بتطهير الديار والجوار والعالم من سم الإقصاء، والعودة للهوية الجميلة النقية السامية التي نادت بالعدل والمساواة, وجعلت «المسلم» مثالاً لرقي الفعال وأهلاً للثقة والاقتداء.
الآن على مشارف العام أدعو الله أن نستعيد هويتنا الراقية، وحس التوازن، ومفهوم الاعتدال، عبر تذكُّرنا لضرورة احترام حقوق الآخر والتزامات المواطنة وإعلاء القانون. وعسى 1438 يشرع لنا حقبة تحوُّل جديدة، تنهي الإقصاء والمعاناة.