د. عبدالرحمن محمد السلطان
يعقد غدًا مصدرو النفط من «أوبك» ومن خارجها اجتماعًا تشاوريًا حول ما يمكن القيام به لدعم أسعار النفط بعد بقائها عند مستويات متدنية لما يقرب من عامين، الذي تسبب في معاناة مالية للمنتجين ووفر مئات مليارات الدولارات على الدول المستهلكة. وما يتم الحديث عنه عن إمكانية الاتفاق على تخفيض بحدود مليون برميل يوميًا لن يكون له أثر يذكر على سوق تعاني من تخمة في المعروض نتيجة التنافس الشديد بين المنتجين على تعويض نقص إيرادات صادراتها بسبب انخفاض الأسعار من خلال زيادة الإنتاج. فإنتاج «أوبك» الآن يزيد عن مستوياته في نهاية 2014، أي قبل انهيار الأسعار، بما لا يقل عن ثلاثة ملايين برميل يوميًا، وروسيا تنتج بطاقتها القصوى.
بالتالي فالسوق النفطية تعاني حاليًا من تبعات عدم اتفاق مصدري النفط في العالم داخل وخارج «أوبك» على تخفيض إنتاجهم في نهاية عام 2014 للحفاظ على توازن السوق عند مستويات سعرية مناسبة لهم، الذي ترتب عليه تعطيل دور «أوبك» التقليدي كمنتج متمم. ما خلق وضعًا لا يتماشى مطلقًا مع الطبيعة الخاصة للسوق النفطية التي تجعل من غير الممكن تركه يتوازن وفقًا لقوى العرض والطلب، أي من غير الممكن أن يكون سوقًا تنافسية، فهو لم يكن كذلك في أي وقت مضى، وهذا السوق بحاجة دائمة إلى من يقوم بضبط حجم المعروض النفطي حتى لا يتجاوز العرض الطلب وتنهار الأسعار.
ومصدرو النفط داخل وخارج «أوبك» وأمام ما آل إليه الوضع في السوق النفطية يبدو أنهم الآن مستعدون لتغيير في موقفهم إلا أن ذلك قد يكون متأخرًا جدًا، فموقفهم السابق تسبب في نتائج في غاية السلبية تجعل مهمة استقرار الأسعار عن مستويات سعرية مقبولة أصعب الآن بكثير وذلك للأسباب التالية:
1 - أن التنافس الذي حصل بين منتجي النفط على المحافظة على حصصهم الإنتاجية قد رفع حجم الإنتاج بما يزيد كثيرًا عن الطلب ما مكن الدول المستهلكة من تعزيز مخزوناتها النفطية بشكل هائل بحيث تستطيع الآن إفشال أي محاولة لدعم أسعار النفط من خلال اللجوء إلى تلك المخزونات.
2 - قبل قرار عدم تخفيض «أوبك» لإنتاجها وانهيار أسعار النفط كان السعر المقبول من قبل منتجي النفط الصخري الذي كان بحدود 50 دولارًا للبرميل يمثل سعرًا أدنى لا يمكن أن تتراجع أسعار النفط دونه price floor، لكن بسبب الفائض الكبير في السوق وما ترتب عليه من تراجع شديد في الأسعار فقد أصبح الآن السعر المقبول من منتجي النفط الصخري سقفًا يصعب أن يتعداه سعر برميل النفط price ceiling، فبوصول السعر إلى ما يقرب من 50 دولارًا للبرميل تزداد جدوى إنتاج النفط الصخري ويتزايد الإنتاج ما يضغط على الأسعار للانخفاض من جديد.
3 - هذا التحول في دور السعر المقبول من منتجي النفط الصخري يعني أن التخفيض المطلوب الآن لرفع أسعار النفط لمستوى يزيد عن مستوى السعر المقبول من قبل منتجي النفط الصخري بما يعيده ليكون من جديد سعرًا أدنى أكبر بكثير من التخفيض الذي كان مطلوبًا سابقًا للمحافظة على استقرار السوق النفطية عند مستويات سعرية مقبولة.
من ثم فالدول المصدرة للنفط قد خسرت مئات المليارات من الدولارات من الدخل المفترض ليس فقط دون جدوى بل وبضرر بالغ عليها كونها الآن بحاجة إلى خفض في الإنتاج أكبر بكثير إن كانت ترغب في تحقيق توازن السوق النفطية عند مستويات سعرية مقبولة، وحيث إن الاتفاق على مثل هذا الخفض أمر مستحيل فإن الأمل ضعيف في حدوث تحسن قريب في الأسعار.