عبده الأسمري
شاهدت مؤخراً مقطعاً مبكياً لامرأة بكماء وصماء أسلم على يدها عدد من الأشخاص تقرأ القرآن الكريم بصعوبة بالغة وبجهد كبير حتى تتفهم آياته وتتشرب معانيه. قادها كلام الله إلى أن تكون داعية بقلبها وعقلها وجوارحها رغم عطب اللسان والأذان ولكنها دافعية القلب وقوة الوجدان اليقظ واستيقاظ النفس الإِنسانية المسلمة غلبت المرض.
تمتلئ العيادات النفسية ودور الرقية الشرعية وحتى بيوت الرقاة التي حولها بعض المتاجرين بصحة البشر إلى متاجر لاستنزاف المرضى ببضاعة اشتروها بثمن بخس وباعوها بأثمان باهظة للباحثين عن الراحة النفسية والهدوء الروحي والاتزان الحياتي والشفاء. أنا لست ضد العلاج النفسي العيادي بل من المؤيدين له بحكم تخصصي من حيث إعطاء المريض عقاقير شريطة أن يصاحبها علاج سلوكي واجتماعي، وهي المنهجية السليمة في علاج أي مريض نفسي، لكني أتعجب من «المتضايقين» والمحزونين «ممن لا يكلفون أنفسهم اللجوء للقرآن الذي توجد في كلماته أعظم طاقة إيجابية وأعلى قيمة إيحائية واقعية تهزم الشياطين وتريح الأعصاب وتبهج الأرواح وتزيح الهموم وتنقي الأنفس وتعلي الهمم وترفع القيم وتنثر السعادة وتئد الغموم. وهنا أتحدث عن القراءة بحضور العقل والقلب والجوارح وتشرب المعاني، فلو مكث القرآن في أيدي المرضى روحياً أو جسدياً أو نفسياً ساعة من نهار وقرأوه وتمعنوا في إعجازه واستنبطوا من سوره آيات متعددة، ثم توضيحها ثم السير عليها فيما يخص القول الحسن والذكر الطيب واتقاء الشرور ومكافحة الهم ومواجهة الحزن وطرق الفرح وسبل الاطمئنان ومنهجية الاتزان ومناهج الأمان لعالجوا جزءاً كبيراً من جوانبهم المرضية، حيث تمتلئ كل سورة في القرآن بمعاني تبث الاتزان للنفس الإِنسانية والتوازن للروح البشرية وتدخل في خلايا الجسد بطريقة مذهلة حتى ان من داوم على تكرار آية معينة ستتحول إلى قول ثابت ومعرفة مؤكدة في الجهاز النفسي وعقار عجيب لمواجهة المتاعب، وسيجد الإِنسان «المجرب» لذلك نتائج مبهرة في مواجهة الكربات وقضاء الحاجات وإزالة الصعوبات وهدم العقبات وإلغاء الصدمات، لكن الالتجاء المطلوب لجميع الشرائح العمرية لدينا أغلبه في مواسم العبادات وأيضاً يعتمد على قراءة القرآن الكريم دون التوغل في المعاني والتعمق في العبر والمعاني والمدارس لدينا تركز على الحفظ والتلاوة فقط. لدينا تقصير من معلمي القرآن أنفسهم وحتى معلمي الشريعة الإسلامية أتمنى أن يحولوا حصص القرآن إلى تغذية روحية لأنفس الطلاب في صفوف التعليم العام ستقيهم كثيراً في مستقبلهم، وأيضاً أتمنى ونحن نشاهد حلقات التحفيظ في الجوامع أن تكون أكاديميات لتخريج المبدعين في تفسير الآيات وفي توظيفها لدى آخرين هم يحتاجونها في محيطاتهم الاجتماعية، وأيضاً أتمنى أن يكون في أقسام علم النفس مناهج تربط توظيف آيات القرآالكريم في صناعة السلوك وفي العلاج الإكلينيكي، وأمنيتي أن يجرب أي شخص ارتمى في أحضان الخوف ووقع في دهاليز الذعر وسقط في مغبة عدم الاتزان أن يعيد توازنه بالقرآن، لا يحتاج سوى القراءة والتمعن والتركيز وتوظيف المعاني وفهمها وتشربها وإشباع الروح بها وإغراق النفس بمعانيها، وما أجمل الجمع بين الأجر الأخروي والفائدة الدنيوية بلا حدود.