في عام 1433هـ صدر عن مكتبة الملك فهد الوطنية بالرياض كتاب (المديح في الشعر السعودي المعاصر، دراسة موضوعية فنية) للدكتور - حمد فهد القحطاني، أستاذ الأدب العربي بجامعة الطائف.
عالج المؤلف في كتابه هذا موضوع المديح في الشعر السعودي المعاصر خاصة، باعتباره غرضاً مهماً حظي باهتمام الشعراء قديماً وحديثاً، وكان اهتمام الشعراء السُّعوديين بهذا الغرض أكثر من الاهتمام بأي غرض شعريّ آخر، وقد تجلى هذا الاهتمام منذ تأسيس الدولة السَّعودية الموحدة على يد الآباء المؤسسين - رحمهم الله - حتى الملك سلمان - حفظه الله - راعي نهضتها الحالية.
ومعروف أن غرض المديح لون تقليدي قديم ضارب بجذوره في الآداب العربية منذ امرئ القيس إلى وقتنا هذا، له خصائصه وسماته الفنية التي تميزه عن غيره من الألوان الشِّعرية الأخرى.
والمديح قد تعددت أنماطه، فهناك المديح الديني، وفيه المديح النبوي ومديح الصحابة والخلفاء الراشدين، وأمهات المؤمنين وغيرهم. ومديح الخلفاء والملوك والسلاطين والأمراء والوزراء، وقادة الجند، ومن في زمرتهم. ومديح العُلماء والمشايخ والأدباء والفقهاء ونحوهم. ومديح الأصدقاء والرفاق والندماء ومن في خاصتهم. ومديح الأماكن أو الأمكنة، وهي متعددة فمنها: مديح الأمكنة الدينية التي تتمتع بقدسية خاصة في نفوس المسلمين، كالمساجد: المسجد الحرام بمكة، والمسجد النبوي بالمدينة المنورة، والمسجد الأقصى بفلسطين. ومديح المدن التي تتمتع برمزية دينية خاصة لدى العرب والمسلمين كمكة المكرمة، والمدينة المنورة، وفلسطين. ومديح المدن العربية المختلفة وخاصة عواصمها: مصر والشام والحجاز.. وغيرها. وأيضاً مديح الأمكنة والمناطق الأثرية التي أدت دوراً مهمًا في التاريخ الإسلامي... إلخ.
فجاء هذا الكتاب مكونًا من تمهيدٍ ومقدمةٍ وثلاثة أبواب، وكل باب ينقسم إلى عدة فصول؛ فأما الباب الأول: فيتحدث عن موضوعات شعر المديح السعودي، والثاني: يدرس الخصائص الفنية لهذا الغرض عند شعراء المملكة.
وقدم المؤلف لكتابه بمقدمة بيَّن فيها تطور الشعر في المملكة وخاصة في الفترة التي أعقبت توحدها وبداية نهضتها على يد ملوك بني سعود - حفظهم الله -، والأسباب التي دفعت لازدهار الشِّعر.
وقد أرجع المؤلف بدايات التطور الشعري في المملكة إلى غرض المديح دون سواه، متكئًا في حجته هذه إلى أن ديواني ابن عثيمين وابن بليهد جاء أغلبهما في المدح، ومن المعروف أن ابن عثيمين وابن بليهد من معاصري تأسيس الدولة السَّعودية الحديثة.
ثم تطرق للحديث في مقدمته عن الأسباب التي دفعته لدراسة هذه الظاهرة في الشعر السُّعودي المعاصر، والمنهج الذي اعتمد عليه في دراسته، وهو المنهج التحليلي الذي يقوم على تحليل النص الشعري، وذكر في مقدمته أغلب الدراسات الرئيسة التي اعتمد عليها، وذكر خطة دراسته وقسمها وفق رؤيته للموضوع.
أمّا التمهيد: فقد أشار فيه إلى أهمية المديح، ودوره في الحياة الإنسانية، وقسمه إلى أنماط. ثم انتقل لتعريف المديح عند منظري اللغة والاصطلاح، وفرَّق بينه وبين الرثاء.
وتطرق لرصد العوامل التي قام عليها المديح، إضافة لاستطراده في عرض نماذج مختارة من روائع شعر المديح عبر العصور الأدبية المختلفة، واصفاً هذه العوامل بأنها جاءت لأجل رفع القيم الإنسانية سواء فردية أم جماعية، إعظامًا وإجلالًا بالممدوح، وتقديراً لمكانته، وابتعادًا عن المبالغات والنفاق والتزلفات الكاذبة، شريطة عدم التكسب وطلب المال الذي يؤدي إلى دناءة النفس، وخاصة إذا توصل إلى الخاصة وعامة الناس، وما يقبله الشاعر من ممدوحه بدون طلب لا يعد هذا إلا مكافأة وردّا للجميل(1).
ثم انتقل للحديث عن المديح في الشعر العربي القديم، مستشهداً ببعض النماذج الشعرية من الأدب العربي القديم إلى وقت الدراسة. مستخلصاً بنتيجة مهمة، وهي أن المدائح قد توالت منذ العصر الجاهلي حتى هذا العصر، فلا يخلو عصر إلا وجد فيه شعراء مداحون، وهناك من انساق وراء التكسب وطلب المال، وهناك من كان المديح لديه بوازع الإعظام والصدق والإخلاص والوفاء.. وأن عصر المديح قد ارتقى إلى قمة الإبداع(2).
وبعد ذلك تناول المديح في الشعر السعودي عارضاً للدراسات السابقة التي تناولته أو لمسته من قريب أو بعيد. وتحدث عن العوامل التي أدت إلى نهضته، والهدف من وراء المدح.
وختم هذا التمهيد بعرض ملامح من نشأة المملكة العربية السعودية الموحدة وبداياتها الأولى على يد مؤسسي نهضتها الحديثة من بني سعود، ومن له الحظ الوافر منهم في المديح.
ثم انتقل المؤلف للباب الأول من دراسته الموضوعية، فقسمه إلى خمسة فصول، خصص الأول منها لدراسة المدائح النبوية في الشعر السعودي المعاصر، وأبرز دور الشعراء في مدح النبي سواء في ذكرى مولده، أو صفاته وأخلاقه، أو زواجه، أو نزول الوحي عليه، وموقف عمه أبي طالب منه، وبداية دعوته للإسلام، وهجرته، ومعجزاته، ورحلته صلى الله عليه وسلم في نصرة هذا الدين وإعلاء كلمته، وقد أفاض شعراؤنا في ذلك وأبلوا بلاءً حسناً.
ويرى المؤلف أن المدائح النبوية من أبرز جوانب المديح التي تعرض لها شعراء المملكة؛ إذ لا تخلو قصائد شاعر من مديح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سواءٌ بقصيدة كاملة أو بيت أو بيتين من قصائده، إلا قليلاً من الشعراء، وهذا ما يراه بشكل ظاهر(3).
ويعلل المؤلف سبب هذا الظهور اللافت للمديح النبوي في القصيدة السعودية المعاصرة إلى غلبة الوازع الديني على المجتمع السعودي، أو ريما يكون السبب الرئيس في ذلك قادة هذه البلاد التي شرفها الله بالحرمين الشريفين، إذ يعد الحرمان الشريفان الركيزة الأساسية في المدائح النبوية، من جانبين: الأول: مولد الرسول - صلى الله عليه وسلم - في إحداهما وهجرته إلى الأخرى، والثاني: إقامة بعض هؤلاء الشعراء في هذين الحرمين أو العمل بهما، ومرور الآخرين بهما لأداء مناسك الحج والعمرة؛ وذلك ليُسر الوصول إليهما، مما يؤدي إلى إثارة قرائحهم بالمديح النبوي(4).
وذكر سبباً آخر يضاف للأسباب الأخرى، وهو ما تتعرض إليه بعض البلدان والمجتمعات الإسلامية من الحوادث والنكبات، التي تجعل الشعراء السعوديين يتذكرون سيرة أشرف الخلق - صلى الله عليه وسلم -(5).
وتناول في الفصل الثاني الحديث عن مدح الخلفاء الراشدين والصحابة والتابعين والقادة والأبطال، رضوان الله عليهم جميعا، وبَيَّنَ سبب ذلك بالنسبة للشُّعراء، وهو أخذ القدوة الحسنة والعلم والجهد والصبر والمثابرة وتقويم الدين والشجاعة وخوض المعارك، من أجل خدمة الدين الإسلامي؛ لأنهم أحياء بأفعالهم وذكرهم الدؤوب بين أتباعهم، في محاولة من الشعراء للاقتداء بهم واتباع نهجهم لتخليد ذكراهم في التاريخ.
والفصل الثالث تعرض فيه لمدح ملوك بني سعود وأمرائها وأحفادها بكونهم موحديها ومؤسسيها، والقائمين على أمرها ونهضتها في عصرنا المعاصر، وعلى رأسهم جلالة الملك الموحد عبد العزيز - رحمه الله -، والأبناء من بعده، وأشقائه وجميع أبناء الأسرة الحاكمة، باعتبارهم إحدى الركائز المهمة التي قامت عليها هذه الدراسة.
ويبدو أن الملك عبد العزيز- رحمه الله - بفتوحاته وثقافته وحلمه، وكرمه وسخائه؛ حاز مديح جُلّ شعراء المملكة لعوامل كثيرة بَيّنَها المؤلف في عدة عوامل منها: بطولته الفذة في توحيد الجزيرة، التي لهج الشُّعراء بذكرها، وتغنوا بفضلها، إضافة إلى طول عهده الذي قارب الثلاثين عامًا بعد توحيد البلاد، كذلك حبه للشعر واهتزازه له، ولا سيما وهو يراه عضادة للدعوة، ودعوة للدولة، والدولة بحاجة إلى الألسنة المنافحة، التي تشيد بأبطالها ورجالها.
واشتمل هذا الفصل أيضاً على مديح الشعراء السعوديين لرؤساء الدول العربية والإسلامية، وقادتها وملوكها. وكان سبب إيراد مدحهم في دراسته من وجهة نظر المؤلف أنه يخدم الدين ويقوي روابط الأخوة بين العرب والمسلمين التي أمر به ديننا الإسلامي؛ لذلك جاء مديحهم بحسب رأي المؤلف مدفوعاً بالوازع الديني والخدمة الوطنية الخالصة، وقد جاء أغلبه في مناسبات؛ سواء زيارات أو مؤتمرات أو اتفاقيات أو ما شابه ذلك(6).
وخصّ الفصل الرّابع بمدح العلماء والأدباء والأعيان والوجهاء، ومنْ لهم صلة أو منزلة في قلوب ولاة الأمر، وعامة الشَّعب الذي يقوم على حبهم. ولذا حدد المؤلف المنهج العام في مدح الشعراء للعلماء؛ بأنه يرتكز على الارتباط بالمديح الديني والتقى ونهج طريق الصلاح، والخوف من الله والخشية منه، والتذلل والخضوع له، والوقوف في وجه الملحدين وأهل الطواف، وكل ما يتعلق بإظهار الارتباط الديني لهم وتمسكهم بالشريعة الإسلامية الغراء، إضافة لمدحهم بالصفات التقليدية المتبعة والتي تختلف من عالم إلى آخر كالكرم والجود، والزهد، والورع... إلخ(7).
وبالنسبة لمدح الشعراء للأدباء والمفكرين، فلم يكن الأمر قاصراً على مدح الأدباء السعوديين فقط بل تجاوز الأمر إلى مدح الأدباء في أقطار العالم العربي، وقد ركز شعراء المملكة في مدحهم للأدباء على ما يعرفون به من صفات، وما اشتهر عنهم، وعلى رأسهم الإبداع الأدبي بشتى أنواعه(8).
وبالنسبة لمدح الوجهاء وكبار الأعيان، فقد جاء مدحهم كما يرى المؤلف من باب الصداقة أو من باب تحفيزهم لفعل الخير مما يُعد دافعاً معنوياً للتقدم والإنجاز(9).
وخصص المؤلف الفصل الخامس بالحديث عن مدح الأصدقاء والزملاء والأقارب، ويرى المؤلف غلبة الصدق والمحبة على هذا النوع من المديح.
أما الباب الثاني: فقد خصَّه المؤلف بالدراسة الفنية موزعة على أربعة فصول، تناول في الفصل الأول: بناء القصيدة، والأسس التي تقوم عليها من مقدمات وتخلص وموضوع وخاتمة، وأشار إلى ما يميز القصيدة المدحية من تنوع في الموضوع، ولمس التطور الذي طرأ عليها في المملكة منذ - خروجها من طور التقليد والتبعية إلى طور التجديد والتطور، بعرض جيد، وأسلوب رائق، يحسب له.
وناقش في الفصل الثاني مفهوم التناص وتاريخه وتطوره، ورصد الدراسات السابقة التي تناولت التناص أو توظيف التراث في الشعر السعودي، وعرضها عرضاً جيداً باختصار، وأبان عن مدى ارتباطها بمحل دراسته، وقد وفق في هذا.
وبحث في تناص شعراء المديح السعودي فوجدهم أكثر توظيفاً للتناص المباشر مع التاريخ والدين والأدب، إضافة للتناص غير المباشر.
وعرض في الفصل الثالث للصورة الفنية في شعر المديح، موضحاً مكانتها في الشعر وأهميتها، ورصد تعريفها لدى النقاد، واستنتج تعريفاً لها فحددها بقوله: «الصورة هي إبداع فني لتركيب لغوي يقوم على الخيال، مستمداً ذلك من التشبيه، أو الاستعارة أو الرمز أو التجسيد أو المحسوسات، ولا يمكن إغفال الصور النفسية والعقلية، وتوصيل التجربة الشعرية إلى الآخر»(10).
وعرض لأنماط الصورة الحسية فوجدها تتمركز في المُحَسَّات الخمسة: البصرية الضوئية، واللونية، والحركية، والثابتة، والصورة السمعية، والشمية، واللمسية، والذوقية.
وختم المؤلف هذا الفصل باستنتاج عام بدا له من خلال دراسته وهو «أن الصورة في غرض المديح عند الشاعر السعودي تسير على النهج نفسه الذي يتكئ عليه في الأغراض الأخرى، وبهذا لم يتجاوز الشعر العربي في الأقطار العربية المجاورة، بل سار على النهج نفسه ولم نجد ثَمَّ تجديدًا»(11).
وينهي المؤلف دراسته بالفصل الخامس عن المحسنات البديعية في شعر المديح السعودي المعاصر، مبرزاً أنواعها، فهناك محسنات معنوية، وتندرج تحتها: الطباق والمقابلة، والإرصاد، وتأكيد المدح بما يشبه الذم والاطراد، والمبالغة. والنوع الآخر المحسنات اللفظية، ويندرج تحتها: الجناس، ورد العجز على الصدر، والتصريع، والترصيع؛ إضافة لظاهرة مهمة تكررت بصورة لافتة وهي «كم الخبرية» التعددية. وختم دراسته بخاتمة رصد خلالها أهم النتائج التي توصل إليها.
تعقيب على كتاب (المديح
في الشعر السعودي المعاصر)
يأتي هذا الكتاب ليضع لبنة مهمة في حقل الدراسات الأدبية في المملكة العربية السعودية تضاف إلى غيرها، بكونه يُعد من أوائل الدراسات التي خصصت لدراسة فن المديح في الشعر السعودي المعاصر بأنواعه، فأبانت عن خصائصه وكشفت عن جمالياته.
ويُحمد للمؤلف أنه في كثير من مواطن البحث كان يدلي برأيه، يوافق ويعترض، ويُعد هذا من محاسن المؤلف الناقد، ومثال ذلك تعريفه لفن المديح - بعد أن عرض لمجمل التعريفات - بقوله: هو «نزعة داخلية تنشأ مع الإنسان بالفطرة، وتنساب في دمه جارية بعروقه، فتخفق مع كل نبضة من نبضات قلبه وروحه، وهو تعبير عن شعور تجاه فرد من الأفراد؛ لأجل ذكر محاسنه وفضائله، ومناقبه ومآثره، وما له من مزايا ترفعه عن غيره، ويعرف بها، وكل ذلك ثناء عليه وإكبارًا له، وإعجابًا بما فيه من الصفات الجميلة والاعتراف بفضله»(12). والشواهد على ذلك كثيرة في ثنايا الكتاب، وقد ذكرت بعضها في هذا البحث الموجز، فأفصحت عن آراء المؤلف النقدية في كثير من المواضع.
وأيضاً من محاسن هذا الكتاب أنه يقدم رؤية جديدة للمديح في الشعر السعودي المعاصر، هذه الرؤية القائمة على التحليل والوصف والتفسير، والباب الثاني الذي يتحدث فيه المؤلف عن الدراسة الفنية والجمالية لشعر المدح السعودي جدير بالثناء؛ وقد قدم فيه الباحث جهداً عظيماً من التحليل الجيد.
ولكن هناك بعض الملاحظات العامة:
يلاحظ أن المؤلف لديه حب استطراد في كتابه فبدءًا من التمهيد الذي تجاوز أكثر من سبعين صفحة تقريباً، وهي بلا شك غير محببة في البحث العلمي، وكان يكفيه ثلاثون صفحة فقط بالدخول مباشرة في موضوع المدح في المملكة العربية السعودية بدون الحاجة لاستطراد معروف أغلبه لدى المتلقي.
يبدو أن المؤلف لا يسير على خطى ثابتة في منهجه العلمي في سائر دراسته فأحياناً يطيل عندما يحب الإطالة، وأحياناً أخرى يقصر عندما يحب ذلك دون رابط أو ضابط، وخير شاهد على ذلك الفصل الثالث من دراسته الخاص بمدح ملوك بني سعود وأمرائهم وأحفادهم، وقادة الدول العربية وغيرها، فنجد مفارقة عجيبة، وازدواجية مقلقة في دراسته هذه في كثرة صفحاته التي فاقت معظم الفصول الأخرى مجمعة، وأيضاً ازدواجية أخرى في الفصل الثالث نفسه وذلك في كثرة الصفحات حول شخصية من الشخصيات، ودراسة أخرى على استحياء منه في بضع صفحات قلائل.
ومثال ذلك فقد بلغ عدد صفحات الفصل الأول في المدائح النبوية حوالي (50) صفحة تقريباً أي من ص76 إلى ص124. وجاء الفصل الثاني في (34) صفحة أي من ص125 إلى ص158. أما الفصل الثالث والخاص بمدح الملوك والأمراء وقادة الدول العربية، فقد حاز أغلب صفحات كتابه، فقد وصل عدد صفحاته إلى (199) صفحة تقريباً، لكن جاء أغلبها في مدح ملوك الدولة السعودية وأمرائها وأبنائهم وأحفادهم، فأكثر من ثلثي هذا الفصل في مدحهم - أي من ص159 إلى ص344 - ثم جاء مدح ملوك وقادة العرب والدول الإسلامية على استحياء في دراسة المؤلف؛ فلم أجد مبرراً لذلك؟!! ولم أجد جواباً مقنعاً أو شافياً من الباحث أو إشارة لذلك؟! والسؤال المطروح هنا: ألم يقف الباحث على أشعار كثيرة في مدح قادة الدول ورؤسائها وملوكها؟! أم أنه كان متعجلاً في إنهاء بحثه؟! أم أنّه استشعر الإطالة في هذا الفصل عامة؟!
ولعل هذا بسبب وفرة الشعر محل الدراسة في باب مدح ملوك السعودية وأمرائها أكثر من غيره، وهذا أمر طبيعي جداً.
كذلك يغلب على المؤلف إطلاق الأحكام العامة في بعض المواضع مثال ذلك في الفصل الخاص بمدح الشُّعراء لكبار رجال الدولة والمسؤولين، ومن في زمرتهم، يقول: «معللاً في وازع الشعراء تجاه مدح هذه الشخصيات، بأنه كان قائماً على الإخلاص، وحسن أداء العمل بأمانة، والتطوير المتتالي، من قبل هذه الشخصيات، وسداد الرأي، وكل ذلك مراعاة لله ثم لولي المملكة العربية السعودية، وخدمة الشعب»(13).
فهذا الرأي المطلق يجافي الحقيقة، فبعض الشعراء ينطبق عليهم ما قاله المؤلف، والبعض الآخر يمدح من أجل نوال العطاء، والتقرب من ذوي السلطان، ابتغاء مصالحهم.
الملاحظة الأخيرة هي أن المؤلف غفل تماماً عن ذكر مدح الأمكنة، فأعرض عنها تماماً!! ولا أدري سبباً لهذا التجاهل!! رغم أن المملكة العربية السعودية تتمتع بخصوصية دينية عن سائر البلدان الأخرى، فتتمتع معظم مدن المملكة، كمكة المكرمة بمناطقها وآثارها التاريخية والدينية والتراثية بقدسية خاصة في قلوب المسلمين جميعاً، ففيها الأماكن المقدسة كالمسجد الحرام، والصفا المروة، وجبل عرفات، وغار حراء، والكعبة المشرفة، وماء زمزم...وغيرها من الأماكن ذات الرموز الدينية؛ وكذلك المدينة المنورة وفيها المسجد النبوي الشريف، والعقيق.. وغيرها من الأماكن الدينية المحببة لقلوب الناس بصفة عامة والشعراء بصفة خاصة. فهذه الأمكنة قد حركت مشاعر الشعراء وألهبت عواطفهم، فوثبوا مادحين تلك الأمكنة ذات القداسة والمنزلة الخاصة لدى عموم المسلمين، كغيرهم من شعراء البلدان الأخرى.
... ... ...
(1) المديح في الشعر السعودي المعاصر، ص38
(2) السابق نفسه، 50.
(3) السابق نفسه، ص76.
(4) السابق نفسه، ص76.
(5) السابق نفسه، ص76.
(6) السابق نفسه، ص345.
(7) السابق نفسه، ص376.
(8) السابق نفسه، ص384.
(9) السابق نفسه، ص385.
(10) السابق نفسه، ص520.
(11) السابق نفسه، ص589.
(12) السابق نفسه، ص32.
(13) السابق نفسه.
** ** **
قراءة وتعليق الدكتور/ محمد فتحي الأعصر - أستاذ الدراسات الأدبية والنقدية المساعد، بكلية التربية والآداب بتربة، جامعة الطائف
dr.elasar@gmail.com