د. عبدالواحد الحميد
كل المجتمعات البشرية هناك حساسية من وجود المقيمين الأجانب وبخاصة عندما يتزايد عددهم بشكل كبير أو عندما يُضيِّق تواجدُهم الخناقَ على أبناء البلد في اكتساب لقمة العيش أو عندما يكون هناك فارقٌ ديني أو ثقافي بين المقيمين الأجانب وبقية أفراد المجتمع أو غير ذلك من الفوارق التي قد تستفز بعض شرائح المجتمع.
ونحن في بلادنا وفي منطقة الخليج عايشنا ونعايش ذلك، وهاجسنا هو «التركيبة السكانية» التي تتعرض للخلل بسبب التزايد الفادح في استقدام العمالة الوافدة من مختلف الثقافات والأديان والبلدان بالرغم من إدراكنا أن وجودهم بنسبةٍ ما في مجتمعاتنا مهم ومفيد، بل وضروري للتنمية الاقتصادية وتوفير الخدمات الاجتماعية المختلفة.
ومع ذلك، نتضايق من كثافة التواجد الأجنبي، وبخاصة عند وقوع جرائم من بعض فئات أو جنسيات العمالة الوافدة أو عندما نقرأ إحصائيات البطالة بين السعوديين والسعوديات.. أتذكر ذلك حينما أقرأ في وسائل الإعلام تصريحات لبعض ساسة الغرب أو بعض قادة الرأي العام في تلك البلدان حين يتبرمون من تزايد أعداد المهاجرين بشكل يهدد النسيج الاجتماعي والقيم الثقافية وتركيبة أسواق العمل في تلك البلدان.
وقد أصبح لنا، نحن المسلمين، النصيب الأكبر، خلال السنوات الأخيرة، من النقد الموجه للمهاجرين الأجانب إلى البلدان الغربية وهو نقد وصل إلى إطلاق حملات كراهية عنصرية صريحة!.. وقد قامت جامعة زيورخ مؤخراً بإجراء دراسة شملت خمس عشرة دولة أوروبية ونشرت نتائجها صحيفة «دي فليت» تبيَّن فيها عدم ترحيب الأوروبيين بالمهاجرين المسلمين. وهذا أيضاً نلمسه لدى شرائح كثيرة في المجتمع الأمريكي، وقد أصبح امتعاض الأمريكيين من المهاجرين المسلمين ورقة بيد المرشح دونالد ترامب يلعب بها كي يصعد إلى كرسي الرئاسة الأمريكية.
من المؤكد أن هناك تحيزاً ضد المسلمين في الغرب لأسباب أصبحت واضحة بعد عمليات داعش سواء تلك العمليات الجماعية المنظمة أو العمليات الفردية المسماة «الذئاب المنفردة». فمن غير المستغرب أن يحدث ذلك التحيُّز في مجتمعٍ احتضن شخصاً وافداً ومنحه الوظيفة والضمان الاجتماعي والأمن وفرص التقدم ثم كانت المكافأة هي أن ينقلب هذا الشخص عليه ويعلن كراهيته لذلك المجتمع ويرتكب بحقه أبشع الجرائم العشوائية انطلاقاً من تلك الكراهية.
ولعلنا نتذكر في وقت سابق الرفض الاجتماعي العام عندنا في المملكة للعمالة البنغالية الوافدة رغم أنهم إخوتنا في الإسلام ثم رفضنا للعمالة الإثيوبية من متسللين وشرعيين على حدٍ سواء عندما ارتفع معدل الجرائم المرتكبة من بعض أفراد هاتين العمالتين، وفي الحالتين اضطررنا لوقف الاستقدام أو الترحيل بحق هاتين الجنسيتين من أجل حماية المجتمع.
هناك مسؤولية ضخمة على قادة الجاليات الإسلامية في الغرب لتوعية أفراد تلك الجاليات بضرورة تحقيق الحد الأدنى من الإندماج في تلك المجتعات مع المحافظة على الأساسيات الموروثة، وهذا ما تفعله بعض الجاليات والفئات الناجحة في الغرب كاليهود مثلاً.
إن تصاعد النبرة العدائية في الغرب ضد المسلمين في الوقت الحاضر هو نتيجة أخطاء كثيرة إرتكب الغرب معظمها وارتكب المسلمون بعضها، وليس أمام المسلمين الآن سوى العمل بجدية لتصحيح الأخطاء التي من صنعهم فلن يقتنع الغربيون بتبريراتنا عندما نتحدث عن الأخطاء التاريخية والحالية للغرب فهي وإن كانت أخطاء فعلية تصل حد الجرائم أحياناً لن تقنع المواطنين الغربيين بأن المهاجرين المسلمين مجرد حملان وديعة.. ففي النهاية، تلك البلدان تسودها قيم ديموقراطية ترجح أصوات الأغلبية سواء كانت على حق أم على باطل من وجهة نظر المسلمين.