د. أحمد الفراج
يكثر الحديث والأسئلة حول الفيتو الرئاسي، في الولايات المتحدة، وقد تلقيت سيلاً من التساؤلات عن ذلك، بحكم التخصص من جهة، وكتابتي لسلسلة مقالات عن ذلك، منذ أن صوت الكونجرس الأمريكي على مشروع قانون جاستا، الذي يسمح لذوي ضحايا أحداث سبتمبر بمقاضاة المملكة، وقد أوضحت آلية استخدام الرئيس للفيتو، وما يعقب ذلك، وقبل أن أتوسع في الحديث عن الفيتو الرئاسي، يحسن أن أوضح للقراء الكرام تصحيحًا لما تتداوله وسائل الإعلام، حول تصويت الكونجرس بالإجماع على مشروع قانون جاستا، فالكونجرس (مجلس الشيوخ ومجلس النواب) لم يصوتا بالإجماع، وهذا يحتاج لبعض الشرح، فالتصويت في الكونجرس يتم بطريقتين: «التصويت الفردي أو التصويت الصوتي»، فكيف يتم ذلك؟
التصويت الصوتي هو أن يقرأ رئيس المجلس (مجلس الشيوخ أو مجلس النواب) مشروع القانون، ثم يسأل أعضاء المجلس قائلاً: «من يوافق على مشروع هذا القانون؟»، ثم يرد الأعضاء الموافقون جماعيًا بـ»نعم»، ثم يكرر ذات العملية، ويسأل عمن لا يوافق على مشروع القانون، ويرد الأعضاء المعترضون جماعيًا بـ»لا»، ثم يقرر رئيس المجلس بنفسه، عطفًا على تقديراته الخاصة، بأن يمر مشروع القانون أو لا يمر، وهي طريقة كلاسيكية معروفة، وتستخدمها البرلمانات النيابية في معظم دول العالم، ولأعضاء الكونجرس حق الاعتراض على قرار رئيس المجلس، وسأتجاوز تفاصيل وتعقيدات ذلك، وفي هذا التصويت لا يتم توثيق صوت أي عضو (أي لا يتم توثيق أن هذا العضو صوت بنعم، وذاك صوت بلا)، والطريقة الأخرى للتصويت، هي: التصويت الفردي، وهنا يصوت كل عضو بالكونجرس (سواء بمجلس الشيوخ أو بمجلس النواب) بنعم أو لا، إِذ يقرأ رئيس المجلس مشروع القانون، ثم يصوت الأعضاء فردًا فردًا، ويتم توثيق ذلك، ثم تحسب الأصوات الموافقة، وتحسب الأصوات المعارضة، ثم يعلن رئيس المجلس نتيجة التصويت، فما الذي حصل عندما صوت مجلس الشيوخ، ثم مجلس النواب على مشروع قانون جاستا؟!.
قانون جاستا، الذي من الممكن أن يستخدم ضد المملكة، تم تمريره في مجلس الشيوخ، ثم في مجلس النواب، بالتصويت الصوتي، وليس الفردي، وبالتالي فحديث وسائل الأعلام، خصوصًا العربية منها، عن أن التصويت على مشروع جاستا كان بالإجماع ليس دقيقًا، بل مضللاً، أي أنه تم تمريره حسب تقدير رئيس مجلس الشيوخ (دستوريًا نائب الرئيس الأمريكي هو رئيس مجلس الشيوخ، وحاليًا هو الديمقراطي، جوزيف بايدن)، ثم بعد ذلك حسب تقدير رئيس مجلس النواب (حاليًا الجمهوري المحافظ، بول راين)، وذلك بعد طرح مشروع القانون للتصويت، والآن، وبعد أن استخدم الرئيس أوباما الفيتو رسميًا ضد قانون جاستا، سيعود مشروع القانون لمجلس الشيوخ، ثم لمجلس النواب، وسيتم استخدام التصويت الفردي هذه المرة، عكس المرة الماضية، التي استخدم فيها التصويت الصوتي، وهذا يتيح لأعضاء الكونجرس تغيير التصويت إن رغبوا، إِذ من الممكن أن يكون عضو الكونجرس قد صوت مع تمرير قانون جاستا في المرة الأولى، ثم يصوت هذه المرة ضده، إما عن قناعة شخصية، أو بضغط من مؤسسة الرئاسة (فريق أوباما في البيت الأبيض)، أو بفعل ضغط لوبيات المصالح، التي تنشط حاليًا، وأكرر هنا أن الحصول على موافقة ثلثي أعضاء الكونجرس ممكنة، ولكنها - تاريخيًا- صعبة جدًا، فلنواصل المتابعة والترقب، خلال الأيام القادمة.