لبنى الخميس
كان عمري وقتها 17 عاماً وكنت أشغل منصب رئيسة تحرير صحيفة مدرستي التربية الإسلامية، التي منحتني الفرصة أن أجري مقابلات مع شخصيات تلهمني في ذلك الحين، فوقع الاختيار على سفير المملكة في الولايات المتحدة الأمريكية وقتها عادل الجبير. بعد جهد وبحث حصلت على رقم هاتفه، اتصلت عليه ورد، فباشرت بالتعريف عن نفسي وعن صحيفتنا المتواضعة، وطلبت منه أني أجري مقابلة معه، فرحب بالفكرة ولكنه قال أعتقد هناك الكثير ممن هم أكثر كفاءة مني كوني حتى الآن لم أحقق ما أطمح من خلاله أن أخدم وطني.
أعتقد اليوم لا يوجد مواطن سعودي غير فخور بقصة نجاح وتألق معالي وزير الخارجية السعودي عادل الجبير منذ أن تسلم هذا التكليف في 29 أبريل 2015. سلسلة نجاحات.. وباقة من لحظات التألق الدبلوماسي.. التي شهدناها من خلال فيديوهات أظهرت فصاحة ودهاء وحنكة عادل الجبير أبرزها تبرئة المملكة من الـ 18 وثيقة، بالإضافة إلى رده الصاعق والذي حظي بانتشار شعبي واسع على أحد الصحفيين حينما اتهم الإسلام ديناً وفكراً بالتماهي مع أفكار داعش. فمن هو هذا الوزير المثقف والدبلوماسي المحنك؟
ولد الجبير في مدينة المجمعة عام 1962 وتربى في كنف والده الذي كان يعمل أيضاً في السلك الدبلوماسي تحديداً في ألمانيا التي تلقى فيها تعليمه الأساسي وتعلم بها الألمانية، إلا أن مسرح المعرفة الأكاديمية والخبرة الدبلوماسية كانت أمريكا التي تلقى فيها درجة البكالورويوس من جامعة شمال تكساس وماجستير في العلاقات الدولية من أعرق جامعات السياسة, والدبلوماسية جورج تاون.
مسيرة عادل الجبير لم تكن تعترف بالخطوات بقدر ما كانت سلسلة من القفزات.. وهذا يعود إلى عدة عوامل منها دور المملكة المحوري في كثير من الأحداث بالإضافة إلى الهجوم الشرس التي تتعرض له باستمرار من قبل الإعلام الغربي.. والذي وضعه لمدة سنوات في حلبة الملاكمة الدبلوماسية ودربه ذهنياً على ترقب الضربات القاضية وتوقيت عملية صدها.. ناهيك عن تلمذته على يد الأمير الراحل سعود الفيصل والأمير بندر بن سلطان وبلا أدنى شك قربه من ملوك السعودية وتحديداً الملك عبدلله -رحمه الله- والملك سلمان أطال الله في عمره. كل هذه الظروف والعوامل صقلت شخصيته المحنكة بالإضافة إلى امتياز وجوده في غرفة صناعة القرار والتأثير الإعلامي والدبلوماسي في أحداث 11 سبتمبر وحرب الخليج والربيع العربي. الأمر الذي أرعب إيران من شخصيته وذكائه فسعت للتخلص منه مبكراً كونها تنبأت بمستقبله لاحقاً فحاولت اغتياله في واشنطن 2011.
فماذا نتعلم من مسيرة صقر الدبلوماسية السعودية ؟
1- من عرف لغة قوم أمن شرهم
أعظم ما يميز خطابات عادل الجبير إلى الإعلام الغربي أنها تتحدث لغتهم.. تستشهد برموزهم.. ولا تستهين بخليفة الصراع الثقافي بينا وبينهم. عادل الجبير اليوم يعرف في السياسة الأمريكية أكثر من الأمريكيين أنفسهم، كونه قارئا نهما لإعلامهم وإنتاجهم بالإضافة لتلقيه تعليمه في أفضل جامعات السياسة الأمريكية. إذا أردت أن تبدع في مجال.. يجب أنك تفهم أسرار وتسبر أغواره.. تقرأ عنه.. وتبحر في الاطلاع على رموزه ومبدعيه.. وبعدها تشق طريقك الخاص.
2- تعلم من العظماء.. ثم اصنع مجدك الخاص
من أصعب اللحظات التي من الممكن أن يوضع فيها أي قائد أو مدير جديد هي اللحظة التي ينصّب فيها خلفاً لسلف عظيم لا يتكرر.. حينها، يتحول المجد إلى ضغط والإنجازات إلى مسؤولية. هذا ما حدث مع الجبير ومع سلفه عميد الدبلوماسية الذي تربع على عرش الخارجية بخبرته وحنكته ووطنيته على مدى 40 سنة الأمير سعود الفيصل. الجميل بأن الجبير صنع ولايزال طريقه ومجده الخاص ولم يعش على أطلال سلفه بل تعلم من دروس الماضي واستفاد من امتياز قربه من مدرسة سعود الفيصل.
3- الكاريزما والحضور لا تعني الصراخ
من يتابع فيديوهات وخطابات الجبير يجد بأنه يخرس الأفواه ويقصف الجبهات دون أي جهد يذكر سوى التركيز العميق والقدرة على صفّ الحجج والبراهين، فكسب هيبته وحضوره المحلي والدولي من هدوئه الذي أصبح علامة فارقه لاعتلائه المنابر وامتيازاً لم يزد حججه إلا وقاراً وإقناعاً.
عادل الجبير يشكل اليوم قدوة حقيقية للشباب كونه بدأ حياته في السلك الدبلوماسي وشع نجمه وهو في عز الشباب.. ما يعني أن من يجتهد ويعمل على تطوير نفسه سوف ينتبه له ليس فقط مجتمعه بل العالم بأسره.. دمت يا بلادي رؤومة ولّادة بالكفاءات والرواد الذي يسطّرون معك أجمل قصص النجاح والتميز.