عبد الرحمن بن محمد السدحان
اتيحت لي فرص ثمينة عبر محطات عمل سابقة مشاركاً في نَدوات إدارية متغايرة النهج والمضمون والغاية، يتّكئُ معظمُها إلى تخصصي الأكاديمي والمهني، وكان من دأبي الترحيبُ بمعظم تلك اللقاءات، لأنها تمنحُنيْ متعةً نفسيةً «وسياحةً» ذهنية معاً، يأتي في مقدمتها اكتسابُ شيءٍ من الخبرة والمعرفة وتجْديدُ خَلايا العقل مع شيء من الصفا الوجداني بعيداً عن أجواء بيروقراطية العمل ورتابته!
***
وقد شهدتُ العديدَ من الندوات والمؤتمرات بما قد لا تدركُه الذاكرة، كانت تسيّرُ بعضَها منهجيةٌ رشيدة، تحضيراً وأداءً، والبعض الآخر، اقترن مسارُه بشيءٍ من ارتجال، طرحاً ونتائجَ، وهناك صنف ثالث لا يعدو أن يكون (تظاهرة كلامية) يتنافس من خلالها الحاضرون في شحذ أذهانهم بطرح ضروب من الكلام المفيد ونصف المفيد وأحياناً غير المفيد!.
***
ما يعنيني في موضوع اليوم سؤال ملح ينازعني في كل مرة أحضرُ فيها ندوةً أو مؤتمراً: ما جَدْوى هذه اللقاءات؟ وهل تَستحقُّ أن تُشَدَّ إليها الرحال ويُنفقَ في سبيلها الجهد والوقت والمال؟!
وحديثاً طرح مثل هذا السؤال عبر لقاء غير رسمي ضِمَّ صفوةً من مفكري الخليج، يمثل كل منهم منحىً علمياً ومهنياً متخصصاً، كان هناك قدر من الإجماع لدى البعض أن هدفَ المشاركة هو التأثير على صناعة القرار التنموي وصانعيه بالقدر الذي يجعله أكثر ملاءمة لظروف المتأثرين به إيجاباً، وأكثر رشاداً.
***
البعض الآخر ناهض هذا الموقف بالقول أن ترشيد القرار التنموي لا يقتصر على صانع القرار نفسه، وإنما يمتد إلى كل من له علاقة بذلك الحراك باعتبار أن القرار الرشيد لا ينشأ أصلاً في فراغ ولا يحاكي فراغاً، وانما يتحرك ضمن ديناميكية ممنهجة وعقلانية، تشكل من خلالها خيارات تخضع للتحليل والقياس والمقارنة قبل أن تنتهي بخيار ما، يولد من صلبه القرار المطلوب.
***
وقياساً على ذلك، فإنه يمكن القول بأنّ كلَّ مشارك جاء في لقاء كهذا يمكن أن يمثِّل حلقة ذات وزن معين ضمن منظومة صناعة القرار في البلد الذي ينتمي إليه، كل!ُ فيما يخصه، بمعنى أن المشارك يستقي عبر اللقاء الكثيرَ من العبر وباقات المعرفة عن كيفية صنع القرار الذي يعنيه أمرُه، منهَجاً وأسلوباً.