د. ناهد باشطح
فاصلة:
((لا جماهير من دون قائد كما لا قائد من دون جماهير))
- جوستاف لوبون -
كلما قرأت خبرا مثيرًا عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووجدنا تفاعلاً كبيرًا من الجماهير رغم غرابته وعدم منطقيته بل وإدانة من في الخبر دون أن يُكلف أحدنا عناء البحث عن حقيق الخبر ومصداقية مصادره تذكرت جوستاف لوبون وكتابه الشهير سيكولوجية الجماهير، إذ تتحول صفحات مواقع التواصل الاجتماعي إلى مظاهرة كبيرة غاضبة.
وهنا يكون السؤال ما الفارق هنا بين هذا السلوك وسلوك بسلوك الجماهير الفرنسية الغاضبة (إبّان الثورة الفرنسية) التي احتشدت أمام دار البلدية (5 أكتوبر 1789)، مطالبة بـ"الخبز"، وسمعت صوتًا ينادي "إلى القصر"، فتحولت نحوه من دون أي تفكير أو نقاش، وكادوا يقتلون الملك والملكة في تلك الليلة؟
في سيكولوجية الجماهير التي اهتم بها "جوستاف لوبون" غلب الجانب السلبي على تحليله للجمهور وسطوته على الفرد ربما بسبب تأثره بالفترة التي عاشها في فرنسا أيام الثورة الفرنسية فهو يرى أن الجماهير مسلوبة التفكير، فهي ترفض الأفكار أو تقبلها كلاً واحدًا، من دون أن تتحمّل مناقشتها.
وهي متطرفة حادة في التعبير عن مشاعرها فلا تعرف غير العنف الحادّ شعورًا.
وفي الحالة الجماهيرية، لا يمكن أن يذكر الجماهير دون أن تظهر الصورة النمطية التي تبرز صورة رجل أو امرأة ينش بعصاه غنمه وإن كانت صورة مؤلمة لجماهير تسطير عليها السلطة في العالم العربي إلا أن هذا النظام معروف عربيًا بالنظام الرعوي أو الأبوي، حيث تظهر سلبية الجماهير وتستطيع أن تلمسها في مئات الناس الذين يتسمرون عند شاشات الأخبار يتابعون هزائم العرب وحروبهم دون أن يكون بمقدورهم الخروج من سلبية رد الفعل.
ويتبقى قدر من الوعي يمكن أن تقضي عليه وسائل الترفيه التي يسهم بعضها في امتصاص طاقة الإنسان مثل مباريات كرة القدم أو استعمال الدين كمخدر كما قال كارل ماركس: "الدين أفيون الشعوب" واصفًا العهد الذي كان الدين المسيحي فيه تحت سلطة الكنيسة بينما الدين الإسلامي اليوم - إلا ما رحم ربي- في أقطاب العالم يرزح تحت سلطة المفاهيم والقيم الترهيبية لتغييب العقول عن التفكر والتدبر في عظمته.
لكن لحسن الحظ أن قوانين النفس وقوانين الجماعات لا تمل من مسؤوليتها في أن توقظ الجماهير من سباتهم ويتجمعون في سلوك يسمى سلوك الحشد وهو ليس مقتصرًا على مظاهرات الجمهور الغاضبة مثلاً إِذ يمكن ملاحظته في تدافع جمهور الفائز في كرة القدم مثلاً.
هل نتفائل بأن الجماهير ربما تستطيع أن تفكر؟
الجماهير لم تتغير سيكولوجيتها فقط أصبحت جماهير اليكترونية!!