اطْوِ الخريطةَ أخشى أن تـنِزَّ دما
وسوف أطوي على آثارِها الحلُما
لا حُلْمَ، إن خَفيرَ الليلِ محترفٌ
قنصًا، إذا شمَّ ريحَ الحالمين رمى
حقيقةٌ هدّمتْ ظنًّا رهنتُ له
نفسي، وجئتُ إلى باقيهِ منهدما
وكدتُ أحيا بلا فألٍ وقد نشرتْ
أمُّ الشياطينِ من صبيانِها رِمَما
أبناءُ قابيلَ ما التمّوا على أملٍ
إلا تضوّرَ في أيديهمُ ألـما
تناسلوا بالخطايا، كلما نضجتْ
جلودُهم لبسوا أشباحَهم ورَما
من أين للحَمَأِ المسنونِ زوبعةٌ
ضوئيّةٌ تبعثُ الروحَ التي رَدَما؟
أو تَنْتَضِي لعنةَ الأحقافِ عاصفةً
تُنسي كتابَ المآسي ما دَهى إرَما
تفنَّـنَ الليلُ في تزويقِ ظلمتِه
فاستلَّ منا رحيقَ الفجرِ واحتدما
إن كان ما ثَمّ أصنامٌ نقدّسُها
فكلُّنا عابدٌ في جوفِه صنما
اطوِ الخريطةَ، إن الأرضَ مُقعَدةٌ
والضوء يمشي به عُكّازُه هرِما
لا ماءَ في الوعدِ، جفَّ الأفْقُ وارتعدتْ
فرائصُ الشمسِ، ميراثُ السرابِ ظما
يا قاطني الأرضِ، لو أسقي جوارحَكم
من زمزمٍ أنبتت أرواحُكم حرَما
أنا النذيرُ الذي عرّتْه صبوتُه
إلى فضاءٍ يُساقي السامرينَ سما
يا قاطني الأرضِ، حقلُ الحبِّ متّسعٌ
للمُزهِرينَ، وساقي الحقلِ ما ندما
لكنَّ أولَكم أسدى لآخرِكم
حبلًا من اللعنةِ السوداءِ ما انفصما
وبعضُكم نَسِيَ النسيانَ فالتهبتْ
لَهاتُه من ضريعِ الحقدِ فاضطرما
وفيكمُ حرَسُ الأوجاعِ ما أَذِنوا
لكفِّ آسيةٍ أن تمحوَ السقَما
ما زال دُكّانُكم في سوقِ خيبتِه
يبيعُ نحسًا، عمًى، إغماءةً، صمَما
وكنتمُ عثرةَ الدنيا، فما سلمتْ
روحٌ، ولا العقلُ من أشراكِها سلما
للآدميةِ ميراثَا (جَنَى) و(بَكى)
فكيف تحيا عروسُ الروحِ بينهما؟
لا عُمْرَ للعُمْرِ إن كانت (روايتُه)
لم تنبجِسْ في هوى قُرّائِها نَهَما
لا عُمْرَ للعُمرِ إن كانت (قصيدتُه)
لم ينتفضْ كلُّ معنى حولها نغما
هذا القصيدُ نهاريٌّ، إذا اشتَجَرَتْ
ألحانُه كان فيها (المفردَ العلَما)
عيناه سامرَتا طيفَ الصباحِ وما
أسالتا دمعةً تسترحمُ الظُّلَما
ماذا تُظَنُّ هدايا الليلِ؟ كاهنةً
شمطاءَ؟ جِنًّا؟ نحيبَ التائهين؟ عمى؟
من لاطفَ الشوكَ لم يستلَّ ضِغنتَه
كَفَاه فوزًا رجوعُ الجرحِ ملتئما
يا نفخةَ الروحِ، عُذْ بالنورِ، إن له
كفًّا تصدُّك أن تلقى المنى قزَما
يا قبضةَ الطينِ، لُذْ بالحبِّ مشتفِيًا
من أن تلاقيَ وجهَ اللهِ منتقما
يا ابنَ الأناسيِّ، ما فحواك؟ شعّثني
تدبّري، هل بهذا الكونِ من فهما؟
تمرُّ بالروضِ لم تغمِزْ لنادية
ولا تلبّثتَ عند الظبيِ إذْ بغَما!
وما بسطتَ يدًا للقيظِ رادعةً
ولا ادّخرتَ لتدليلِ الربيعِ فما!
فكيف تحيا؟ أنَبْضُ العمْرِ متّسعٌ
للضوءِ إن كان من ظَلمائِه شَبِما؟
السرُّ في الروحِ، إن باتت مدجّجةً
بالنورِ شنّتْ على أثقالها حُمما
وإن مشتْ في مهبِّ اللؤمِ طيّرها
مَسْخًا يُكَفَّنُ في تابوتِه عدَما
آمنتُ بالحبِّ ناموسًا، وها أنذا
فرّقتُ روحيَ في أوزانِه كلِما
- شعر/ عبد الله بن سليم الرشيد