في حكاية لامرأة إيرلندية ماتت بسبب الحمى، ودفنت بسرعة خوفاً من انتقال العدوى، لتبعث في نهاية يوم دفنها وتخرج من قبرها وتطرق باب بيتها وتعاود الحياة من جديد، الكثير من الدهشة والوقوف المتكرر على عتبات اليقين أنّ الحياة قد لا تنتهي بموت، لأنها قد تبدأ في حين كنا نظن أنها قد انتهت.!
ما أدهشني في هذه القصة حبكتها وحقيقتها وكونها لم تختلق، لأنّ شاهد قبر المرأة موجود وكتب عليه «عاشت مرة وماتت مرتين» .
الجميل في هذه الحكاية تناغم الدهشة والوفاء، ففي الوقت الذي أوصت الزوجة أن تُدفن وبيدها خاتم زواجها الذي كان سبباً في نبش قبرها بواسطة لصٍّ يريد سرقة الخاتم، كانت صورة الزوج الذي قال لأبنائه عندما سمع صوت الطرق على الباب « لولا أنني قد دفنت والدتكم اليوم لقلت إنها من يطرق الباب الآن «، هنا وتحديداً من هذه الكلمات تدرك أنّ الوفاء لا يولد صدفة، وأن الحب لا يمكن أن يموت بل يتجدد ويولد كل يوم . لعل خيالي تجاوز قليلاً وعاش لحظة الدفن، وكيف استيقظت المرأة وعلمت برحيلها قبل أن ترحل، وتخيلتها وهي تعدِّد الأعمال التي لم تكتمل من قدر طعام كان على النار عندما داهمها التعب، أو ملابس للأبناء لم تقم بغسلها، أو حتى أنها لم تكنس وتنظف منزلها، كما يجب قبل خروجها الذي كانت تعتقد أن لا عودة بعده ..!
عشت معها شعور الأم والحبيبة والزوجة تجسّد أمامي كل شعور من الممكن أن يخالج مجموعة الإنسان (المرأة ) في لحظة واحدة .
تخيلتها في ذلك المكان المظلم الموحش وهي تفكر بالزوج/ وتتخيل دموعه عند فراقها وحسرة الأبناء على رحيلها، وجيرانها الذين سيفتقدون الكعك اللذيذ، والكلب الذي لن يجد من يهتم به والدجاج الذي لم يجمع بيضه.!
كم نحن بسيطات ورائعات حتى حين الموت وكأن الحياة ستتوقف بدون وجودنا، وهذا سر تفانينا وتميزنا والنور الذي يشع من حولنا.
عشت لحظات أتصور كل هذا ولأكتب لكم كلمات تخبر أن للموت أشكالاً أخرى .!
- بدرية الشمري (مسافرة)