د. صالح بن سعد اللحيدان
أصل الربض/ بتسكين/ الضاد أخت الصاد القعود، يقول ربض قعد، ربضت الدابة قعدت،
وهذا إنما هو من باب التغليب وإلا فلا يقال ربض الجمل ربضت الناقة، لكن يقال نوخّ الجمل بتشديد الخاء كذلك قال من تقدم من أهل اللغة ولم أجد نوخت الناقة.
والرابض والرابضة الساكن والساكنة فهما قاعدان على صفة وحالة واحدة ليس إلا هذا على وتيرة غير مردودة.
وأصل الرويبضة في كلام أهل اللغة على مطلق القول تصغير الرابضة وهو الرجل التافه الحقير ينطق في أمر العامة كذلك قال الفيروز أبادي.
قال ابن لحيدان: وهذا يتسق مع نسق واحد تعرفه العرب.
ولا يناسب جلس ربض وإن كان هذا من المعاني لِربض بكسر اللام.
وغالب أهل شمال جزيرة العرب يستعملونها خاصة الكثير من بني أسد وبعض أهل القصيم لكن ذلك أحياناً على سبيل التحدي للخصم أو التسفيه فيقال له أربض أي أندحر أو اسكت فلا تنطق جواباً.
وربض مات في مكانه فهو لا يريم.
قلت: وهذا أيضاً من المعاني قلت: وهو قليل.
وهذه اللفظة في هذا المعجم تقودني إلى بيان ما ورد من الآثار وأخص بهذا العلماء والمفتين وأهل التحقيق والتصحيح والتضعيف وكذلك خطباء الجمع.
وعلى هذا الأساس فقد ورد حديث رواه أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني في مسنده الجليل عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قبل الساعة سنوات خداعة يكذب فيها الصادق، ويصدق فيها الكاذب ويخون فيها الأمين ويؤتمن الخائن وينطق الرويبضة).
قلت وفي سنده عن أحمد -رحمه الله- عبدالملك بن قدامة الجُمحي بضم الجيم وفي روايته ضعف ولست أعلم من وثقه وإن كان صاحب دين وورع كذلك في سنده إسحاق بن أبي فرات وهو مجهول الحال ومعلوم أن جهالة الحال سبب قوي لرد الحديث لأن الأصل أن الله جل وعلا تعبدنا بالقطعيات.
وكذلك ورد عن عبدالرزاق الصنعاني شيخ اليمن رواه عن معمر عن سعيد بن عبدالرحمن الجُحشي بضم الجيم عن عبدالله بن دينار قال: قال رسول الله صلى الله وعليه وسلم: (بين يدي الساعة سنين خوادع يخون فيها الأمين ويؤتمن فيها الخائن وينطق الرويبضة في أمر العامة قيل: وما الرويبضة يا رسول الله؟ قال: سفلة الناس).
وكذلك هذا الأثر قد ورد عند الحاكم أعني أبا عبدالله صاحب المستدرك إلا أن لفظ الحاكم (خداعات).
وهذا الحديث له عدة طرق وقد قلقت من رفعه إلى درجة الحسن لذاته.
ومن المعلوم من حال علم الجرح والتعديل وعلم أحوال الرواة بالضرورة أن الأسانيد وإن كثرت وتعددت ووجد فيها رواة ضعفاء اتفق الناس على ضعفهم فإنه لا يكون حسناً لذاته لكن يكون حسناً لغيره وهو من أنواع الضعيف الذي لا يعمل به ولا ينطق.
وقد نما إلى علمي واستمعت كثيراً في بعض وسائل الإعلام ومن خطباء الجمع إيراد هذا الحديث عند الرد على المخالف وتنقيصه ونقده فيذكرون أنه رويبضة لا علم عنده أو أنه يتقمص العلم والفتوى أو أنه يتعالم وقد استمعت إلى بعض خطباء الجمع يذكرون هذا الحديث أثناء خطبة الجمعة كذلك نقل إلي أن بعض أهل الفتيا في كثير من البلاد الإسلامية ينقلونه دون توجيه أو تحرير لسنده من وجه أو وجوه.
ومن المعلوم في أساسيات العلم وسياسة الإلقاء من المعلوم أن الأمانة والصدق أهم ركيزة في الفتيا والقضاء ونقل الآثار والنصوص وتحقيق المناط في المسائل العلمية وإذا كان هذا كذلك فمن لوازم القول إنه لا بد من بيان حال أصول العلم وأصول الآثار ما لها وما عليها ذلك حتى ينشأ جيل عالم حقيق بإرث النبوة من غير نكير.
وليس هذا مني قسوة على قومي ولكنه من باب بيان ما لا يجب تركه لا سيما وبعض الآثار يقبلها العقل ولا يردها ويقبلها القلب ولا يردها وتقبلها العاطفة ولا تردها لكن العقل والقلب والعاطفة ليس هذا كله هو الفصل في الخطاب إنما الفصل في الخطاب هو العلم المتكئ على الأدلة المادية التي يقبلها العقل السليم ولا يتوجه إلا إلى ما ذهب إليه كبار العلماء خلال القرون.
وخذ مثلاً من رد حديث (إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء) وذهب هذا الكاتب عفا الله عني وعنه إلى ضعف هذا الحديث بل ويبطله لأنه لا يوافق الأدلة المادية وهو هنا لم يعرّف الذباب بتشديد الراء ولا أنواع الذباب ولم يعرّف الجراثيم ولا أنواعها ولم يعرّف الأشربة ولا أنواعها بل ألقى القول على علاته وذهب يبطل النص فأصبح هذا الكاتب محل سخرية لأنه خاض في شيء لا يدري عنه شروى نقير.
وهذا مني إنما هو توجيه للوقوف عن الحد لأنه من كتب فقد استهدف ومن ألف فقد استهدف ومن قال فقد استهدف... والله الموفق إلى كل خير.