يشعرني الثبات بالملل، لأن في الثبات أنساق مستفحلة، وذاكرة منطوية على أشكال لا تتغيّر، ولا تتبدل، لذلك يكون للسقوط العبثي العشوائي لذة لا تضاهيها أي لذة أخرى. قالوا لنا من سبقونا عندما تقرأ حاول أن تتجنب الثبات، لن يحقق لك السير في خط واحد أي متعة، ولن يضيف لعقلك معلومات جديدة، ولن يكسب لغتك مهارات لغوية، ولن تتجلّى في ذاكرتك أحداث كثيرة، بعضها لم تعشها إلا من خلال كتاب. لذلك خلال قراءاتي وخاصة في المجال الأدبي وفي فن الرواية تحديداً، حاولت أن لا أسقط في فخ الإبداع الذي يجترني خلف كاتب بعينه، فلا أستطيع أن أستسيغ كتاباً لم يكتبه هو، وأبقى حبيساً لمزاجه الكتابي، والناشر الذي ينتظر الوقت المناسب لطرح كتابه الجديد في الأسواق.
فحرصت أن أكون ثابتاً على السير في خط غير مستقيم، معوّج الخُطى بين آلاف الكتب والكلمات، وإن سقطت فيجب أن يكون في هاوية المبدعين الكثير من الكُتاب حتى لا يصيبني الثبات على كاتب واحد برغبة عارمة في التوقف عن القراءة. فقرأت للدكتور غازي القصيبي جميع رواياته، وقرأت للكاتب البرازيلي باولو كويلو الكثير من الروايات، كما قرأت أيضاً لتركي الحمد، وللطاهر بن جلون وإحسان عبدالقدوس، ونجيب محفوظ، ونوال السعداوي، وواسيني الأعرج وغادة السمان وأحلام مستغانمي، وسارتر، وأجاثا كريستي، وفيكتور هوجو، وغابرييل غارثيا ماركيز، وقماشة العليان، وعبدالوهاب آل مرعي، وبدرية العبدالرحمن وخولة القزويني، وهند البشر، وسمر المقرن، فكان لهذا السير بين مختلف الكُتّاب والكاتبات من الشرق والغرب باختلاف أساليبهم وثقافاتهم، وبيئاتهم المجتمعية والمراحل الزمنية التي عاشوا فيها، الأثر الكبير في اتساع رغبتي ونهمي للقراءة أكثر فأكثر، لأن كتبهم لا تحمل قصصاً من نسج خيالهم الخصب فحسب، إنما تتحدث عن حقب زمنية وتاريخية أيضاً، بل وتناقش وقائع اجتماعية، وتطرح الكثير من الرؤى والأفكار.
لكن مع ذلك كله وجدت نفسي ذات يوم عاجزاً عن تحديد موقفي، هل أنا ثابت؟ أم أنني وقعت في فخ الإبداع لكاتب نصبت كلماته الشباك لذائقتي؟ كان ذلك حين قرأت رواية سقف الكفاية للكاتب السعودي المبدع جداً (محمد حسن علوان) فوجدت نفسي بعد ذلك أبحث عن كل إصداراته، فقرأت له أيضاً (طوق الطهارة، صوفيا، القندس، الرحيل، موت صغير) وهنا كانت القضية.
لقد أوحت كلماته إليّ بشعور متناقض، إذ شعرت بأنني ثابت جداً، ولكن لم أشعر بالابتذال وأنا أقرأ رواياته بشغف لا أجد له مثيلاً حين أقرأ لغيره، كما شعرت أيضاً بأنني قد سقطت في فخ إبداعه، فلم أعد أستطيع أن أكمل الكتب الروائية التي يكتبها غيره إلا إذا أجبرت نفسي إجباراً، وعسفتها عن هواها عسفاً.
وإني لستُ أدري هل تقع الملامة على الكاتب؟ أم على القارئ؟ وهل هذا ثبات في القراءة؟ أم سقوط مدوّي في بئر الإبداع؟ وهل في ذلك عيب يستوجب التصحيح، أم أن الأمر عادي؟
كل ما أعرفه أنه كاتب مثير للاهتمام، ويستطيع أن يسترعي انتباه القارئ من الصفحات الأولى في أي كتاب له، بل إنه قد شكل خطاً وأسلوباً خاصاً له في مجال الرواية، وامتد تأثيره ليؤثّر في أسلوب من يحبونه من الكُتّاب، إذ اتضح مدى تأثيره على كتاباتهم.
لذلك أقول إن (محمد حسن علوان) هو كاتب من جيل عمالقة الأدب، إنما جاء في هذا الزمان الذي قلّ فيه القراء.
- عادل الدوسري
aaa-am26@hotmail.com
AaaAm26 @